تنهمر الدموع من عيون الطفليْن الشقيقين فادي وسيلا، وهما ينظران إلى صورة والدهما المعتقل السياسي المغيب خلف سجون أجهزة أمن السلطة محمد العزمي، وما لهما سوى تقبيلها على وقع سماعهما تكبيرات العيد في الأيام الأخيرة من شهر رمضان.
مشهد الطفلين وهما يبكيان يزيد الحزن في صفوف أفراد العائلة التي تحاول إشغالهما، لكن دون جدوى؛ فهما دائمًا يسألان عن والدهما وينتظران عودته كل صباح ومساء، كما يقول إياد العزمي شقيق المعتقل محمد.
وتحشرج صوت العزمي خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" عن شقيقه وأبنائه، الذي يحاول جاهدًا سداد فراغ غياب والدهم لكنه يفشل في كل مرة لشدة تعلق الشقيقين فادي وسيلا بوالدهما، فيحاول احتضانهما وإبلاغهما أنه سيصحبهم خلال أيام لزيارته في سجن أريحا.
واعتقل أمن السلطة العزمي، في 1 سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وفق شقيقه، واحتجز في مقر الاستخبارات بمدينة رام الله، لكونه يعمل في جهاز الأمن الوطني، لتلقي العائلة اتصالاً هاتفيًا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، للتعزية باستشهاد ابن شقيقه أمجد العزمي.
وعود واهية
وقال العزمي، إنه يتلقى اتصالات يوميًا بأن موعد الإفراج عن محمد سيكون خلال أيام، لكن جميع تلك الوعود تذهب أدراج الرياح، مؤكدًا وجود جهود مستمرة من أجل الإفراج عنه لكنها فوجئت قبل ثلاثة أيام بنقله من سجن الجنيد إلى "مسلخ" سجن أريحا.
وحمّل العزمي، من سكان مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، السلطة وأجهزة أمنها المسؤولية الكاملة عن حياة شقيقه، الذي أعلن منذ نقله إلى "المسلخ" العودة مجددًا للإضراب المفتوح عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحه.
وأضاف أن شقيقه أضرب عن الطعام في يناير/ كانون الثاني الماضي، لمدة 21 يومًا، ونقل في إثر ذلك إلى المستشفى، وفي 31 من ذات الشهر، وعندما زاره برفقة والديه وجدوه قد علق إضرابه، بناءً على وعودات من مدير الاستخبارات في نابلس بالإفراج عنه في أقرب وقت، ولكنه لم يفِ بوعده.
وبين أن العائلة حصلت على وعد بالإفراج عن محمد من سجون أمن السلطة قبل عيد الفطر، لكن جميع المؤشرات تشير إلى أن السلطة كعادتها لن تفي بالتزاماتها، وسيمضي عيد الفطر وشقيقي في "المسلخ".
وتمنع أجهزة أمن السلطة أفراد عائلة العزمي من زيارة شقيقهم والاطمئنان على صحته، رغم تردي أوضاعه الصحية وانخفاض وزنه وعودته إلى الإضراب المفتوح عن الطعام، إلى جانب إصابته في كتفه من قبل قوات الاحتلال عام 2014.
أوضاع مأساوية
وصدمت عائلة المعتقل السياسي محمد عزام، الأربعاء الماضي، بقرار محكمة الصلح في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، بتمديد اعتقال شقيقهم 45 يومًا، بعد أن تلقت معلومات بالإفراج عنه قبل العيد.
حالة من الاستياء والغضب الشديدين، ظهرت على عائلة عزام، التي تقيم في مدينة سلفيت، شمالي الضفة، فبعد أن جهزت نفسها لاستقبال نجلها والاحتفال بعيد الفطر، حرمتها السلطة من الفرحة.
ويقول أحمد عزام، شقيق المعتقل السياسي: إن السلطة عيدت علينا قبل أن يأتي العيد بتمديد اعتقال شقيقي، متسائلًا: كيف نستقبل العيد ونحن بهذا الحال من الصدمة؟
واعتقل أمن السلطة عزام البالغ (31 عامًا) وهو مُحرَّر اعتُقل مرتين في سجون الاحتلال، دون إبداء الأسباب، وهي ليست المرة الأولى التي يزج به في سجون أمن السلطة، بحسب شقيقه.
وبينما وجه أمن السلطة تهمًا لعزام تتعلق بحيازة السلاح ومحاولة بيع أرض استولى عليها، نفى شقيقه هذه التهم قطعًا، وأكد مؤكدًا أن شقيقه يعمل في مجال العقارات.
وأشار إلى معاناة شقيقه من أوضاع صحية صعبة لكونه تعرض للتعذيب والضرب أدى إلى حدوث تمزق في طبلة الأذن، وترفض السلطة الإفراج عنه وتحاول عقابنا لأننا توجهنا إلى المؤسسات الحقوقية والإعلامية لإطلاعها على أوضاع محمد الصحية وظروف اعتقاله.
وناشد عزام الكل الفلسطيني بالضغط على رئيس السلطة ورئيس الوزراء للعمل على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين قبل عيد الفطر.
نداء عاجل
من جهته، طالب النائب في المجلس التشريعي باسم زعارير، السلطة وقيادتها السياسية والأمنية بالإفراج العاجل عن المعتقلين السياسيين قبل عيد الفطر السعيد، ووقف نهج الاعتقالات السياسية.
ووجه النائب زعارير، في تصريح له، نداءً عاجلاً إلى قادة أجهزة أمن السلطة بالإفراج العاجل عن جميع المعتقلين السياسيين وتمكينهم من الإفطار ولو آخر أيام رمضان مع أهلهم وذويهم ولكي يحضروا العيد معهم.
ووصف المعتقلين السياسيين بأنهم شرفاء فلسطين، وليس من المروءة والوطنية اعتقالهم في أي وقت وتحت أي ظرف.
وكانت حركة حماس طالبت قيادة السلطة وأجهزة أمنها في الضفة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين كافة فورًا ودون قيد أو شرط، وترك المجال لهم ولعائلاتهم للاحتفال بعيد فطر سعيد، خالٍ من آلام الظلم والقهر والعدوان على كرامة الإنسان وحريته.
وعدَّت حماس في بيان لها، أول من أمس، استمرار الاعتقالات في شهر رمضان ومع اقتراب عيد الفطر، تعبيرًا عن حجم الاستهتار بمعاناة الأسر الفلسطينية التي تعيش أقسى الآلام لحرمانها من أبنائها وأحبائها.
ورصدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة الغربية 320 انتهاكًا ارتكبتها أجهزة أمن السلطة بحق المواطنين خلال شهر مارس/ آذار الماضي.
وشملت الانتهاكات بحسب تقرير اللجنة: 62 حالة اعتقال، 47 حالة استدعاء، 36 حالة اعتداء وضرب، 22 عمليات مداهمة لمنازل وأماكن عمل، 36 حالة قمع حريات، 4 حالات تم فيها مصادرة ممتلكات، 18 حالة محاكمات تعسفية، فضلاً عن 95 حالة ملاحقة وقمع مظاهرات وانتهاكات أخرى.