بعد أن كانت فكرة العرب "التطبيع مقابل السلام" وتنفيذ كل بنود المبادرة العربية التي أفرزتها قمة بيروت؛ باتت الأولويات متغيرة والحسابات مختلفة والأحداث متسارعة، حتى أصبح جزء منها استباقا لما سيكون وحتى تجاهلًا للمطلوب.
برزت على السطح فكرة التطبيع التي اقترنت بالمجاني؛ فلا اتفاقيات رغم هزليتها طبقت ولا بنود المبادرة العربية أصلا تم النظر فيها، فبدأ سباق التطبيع واستباق الأحداث.
وتطور الأمر ليصبح تحالفات علنية في عدة جوانب عسكرية وإعلامية وأمنية، حتى وصلت بهم الأمور لعقد قمم في النقب والخليج ومصر دون حضور حتى لشخوص أوسلو من الفلسطينيين، ما يعني أن استباقا واضحا للأحداث وتغييرات جوهرية على مسار المنهجية الأمريكية في المنطقة، فحقوق الشعب الفلسطيني التي تكفل على أقل تقدير أراضيه عام ١٩٦٧ الصادرة عن الأمم المتحدة والقوانين الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي حتى اللحظة التطبيق فيها لا يتعدى صفرا، بالتزامن مع ما تقوم به الأنظمة العربية من تطبيع وهرولة مجانية وتجاهل للمبادرة العربية وتسريع وتضييق الخناق على غزة والمقاومة؛ بل وتجاهل معاناة المقدسيين وكشف التنسيق الأمني العربي الإسرائيلي علانية ومهرجانات التطبيع الرسمية والإعلام المسموم.. كل ذلك يجعل المرحلة المقبلة حبلى بالمُجريات.
لم تعد أولوية الأنظمة العربية قضية فلسطين ولم يعد مهما في أجندتهم كيف يتم لجم الاحتلال، فالحروب الأربعة في غزة ومجازر الاحتلال في باحات الأقصى ومدن الضفة كلها تمضي وتمر مرور الكرام، حتى أمست المعادلة أنه كلما أجرم الاحتلال زاد التطبيع وتوسعت القمم.
وفي هذا الميزان ولأن غلمان العرب استبقوا الأحداث وغيروا الأولويات بات مهما جدا من الفلسطينيين ومقاومتهم إعادة ترتيب الأوراق والذي يتمثل في كثير من الزوايا أهمها بناء التحالفات الإقليمية والدولية واستخدام أوراق الضغط التي في جعبتهم في عدة زوايا تجعل اللاعب الدولي يفكر مليا فيما ارتكبه من حماقة الصمت والمباركة للجريمة.
والأحداث يجب أن تدفع الفلسطينيين لرسم المعادلة القادمة والتحفيز وتطوير الأحداث بما يخدم القضية لا يجعلها جسرا لعبور الهواة والمهرولين للتطبيع بحجة الوساطة والتنسيق.
ومن أهم ما لدى الفلسطينيين حتى ينسفوا مؤامرة تحاك؛ قوة أدواتهم ونجاحهم في تفعيل الشارع العربي والدولي؛ وهذا كان واضحا في الأحداث الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، ولدى الفلسطينيين مقاومتهم ولديهم ورقة الشارع التي يجب أن يعاد النظر في التقليدية المتبعة في فعالياته وتحديدا في الضفة الغربية والقدس حيث الضغط الأكبر على الاحتلال.
في ظل إعادة ترتيب الخريطة الدولية، التي وإن كانت بطيئة التغيير بالعين المجردة، إلا أنها متسارعة في علم السياسة؛ ما جعل استباق الأحداث وإنشاء الخطط والتكتلات والتحالفات والقمم التي تسعى لها إسرائيل إشارة واضحة على أنه في المرحلة المقبلة سيصبح ما كان طبيعيا من فعل إسرائيلي صعبا في المعادلات الجديدة، لذلك تم استخدام الغلمان الآن والذين على مدار عقود كانوا شكليا يدعمون القضية الفلسطينية وما دعاهم لها إلا زيادة في الحصار والقتل والتشريد.
استباق الأحداث فرصة يستخدمها الكل في إعادة ترتيب الأوراق، فالأولى أن يستخدمها الفلسطيني صاحب الحق حتى لا يكون كما عقود خلت؛ ميدانا لتجارب وقرارات العالم.