فلسطين أون لاين

التدخل العربي في فلسطين كان دائماً كارثياً على الفلسطينيين

عاش الفلسطينيون ومعهم نسبة كبيرة من الشعوب العربية وهما تاريخيا خلاصته أن الأنظمة العربية كانت دائما معادية للمشروع الصهيوني والدولة التي أنتجها، إسرائيل، وأن من دلائل هذا العداء تدخل سبع دول عربية لإنقاذ فلسطين في حرب 1948 بعد إعلان اليهود دولتهم فيها. وتتواصل الدلائل في الحروب العربية الإسرائيلية اللاحقة على هذا العداء. وقد يكون في تلك الدلائل بعض خيوط صدق، لكن الخيوط الغالبة على نسيج تلك الدلائل أن التدخل العربي في مسار القضية الفلسطينية كان تآمريا ومصطفا في لبابه مع المشروع الصهيوني. ورافقت هذه الحقيقة المأساوية ذلك التدخل منذ بروز الملامح الأولى العملية للمشروع بعد وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، واحتلال بريطانيا للقدس في 30 ديسمبر1917. قاتل جنود من جزيرة العرب ومن مصر مع القوات البريطانية الزاحفة على فلسطين لطرد القوات العثمانية تمهيدا للانتداب البريطاني عليها الذي فتح باب هجرة اليهود إليها، وسهل لهم غرس كل مقومات دولتهم فيها. وأعلن الأمير فيصل بن الحسين أن سوريا الكبرى تتسع للعرب ولليهود، وأعلن شقيقه الأمير عبد الله أن منح فلسطين لليهود شيء عادي وأقل القليل. وتوسط عدد من زعماء الكيانات العربية الشكلية الخاضعة في ذلك الزمان لبريطانيا وفرنسا لوقف الانتفاضات الفلسطينية المعارضة للهجرة اليهودية ؛ بطلب من بريطانيا التي وعدت بوقف الهجرة حينا وحينا بتخفيفها ، وفي كل حين كانت تخلف وعدها .

وفي حرب 1948 لم يكن تدخل الدول العربية السبع صادق النية لإنقاذ فلسطين ، وبعضها اتفق مع الدولة اليهودية الجديدة على اقتطاع نصيب له منها، وانتهى هذا الاتفاق بسيطرة الأردن على الضفة الغربية باسم وحدة الضفتين، وعرضت مصر على (إسرائيل) الاعتراف بها مقابل إعطائها النقب ، فرفضت (إسرائيل) التي كانت تدرك أهمية النقب للاتصال بأفريقيا وآسيا. ويقدم الكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي رأيا يستحق النظر فيه، وصفوته أن تدخل الدول العربية السبع في حرب 1948 كان بتحريض من بريطانيا ورضا إسرائيل لإعطاء الثانية مبررا للاستيلاء على الأراضي الخاصة بالدولة الفلسطينية في مشروع التقسيم؛ في حرب محسومة النتيجة سلفا لصالح إسرائيل، ولإظهار تلك الحرب حرب استقلال لها، وهي تسميها رسميا “حرب استقلال”، وعارض الأردن حكومة عموم فلسطين التي ترأسها أحمد حلمي عبد الباقي في غزة في آخر سبتمبر 1948، وهدد الجامعة العربية بالانسحاب منها إن هي اعترفت بها، وكان له ما أراد، ورحلت الحكومة المصرية التي كانت تدير قطاع غزة عبد الباقي إلى القاهرة ، فاختفت حكومته التي كان من الممكن أن تكون صوتا سياسيا للفلسطينيين يخاطب العالم ويطالب بعودتهم إلى وطنهم .

وننبه إلى أن ذلك المجاهد العظيم ذودا عن فلسطين وحبا لها ألباني الأصل عمل والده ضابطا في الجيش العثماني، ودائما المسلمون الذين تعربوا أخلص للعروبة والإسلام من العرب الأقحاح ، ومطهرون من تلوث خيانتهما. وعودة إلى الوراء، وافق الملك عبد العزيز على إعطاء كل فلسطين لليهود “المساكين” كأنه يملكها. والموازنة بين ما جاء في موافقته المطلقة على ذلك الإعطاء وبين وعد بلفور تبين أن وعد بلفور أرحم منها ، ففيه دعوة للمحافظة على الحقوق المدنية لما سماه السكان الأصليين ، يقصد طبعا الفلسطينيين. والبريطانيون ما كانوا يرون اليهود مساكين جدراء بالشفقة مثلما رآهم عبد العزيز وسخا عليهم من جيب سواه. ونستون تشرتشل وزير المستعمرا ت يومئذ قال عقب وعد بلفور: “الآن رمينا السرطان اليهودي في حلق العرب”، والصحيح الذي رسخ بعد ذلك أنه رماه في حلق الفلسطينيين.

وتلاحقت كوارث التدخل العربي في القضية الفلسطينية ، ودائما تأتي الكارثة اللاحقة أهول وأخطر من سابقتها . وتتدخل الآن دول عربية في أحداث الأقصى والضفة ، وعقدت اجتماعا فاشلا في عمان حولها، ألقت فيه عبء تهدئتها على ظهر المجتمع الدولى هربا منه ، والمفترض منطقا أنها أولى من المجتمع الدولى بحمله إلا أنها يستحيل أن تبتعد عن متوالية تدخلها في القضية الفلسطينية التي اتصفت دائما بالكارثية على الفلسطينيين وبالفرج وما هو أكثر من الفرج للإسرائيليين الذين يريحهم إلقاء العبء على ظهر المجتمع الدولي الذي يعلمون من خبرتهم أنه لن يفعل شيئا للفلسطينيين ، ولو كان الإسرائيليون يعلمون جدية الدول العربية في موقفها من أحداث الأقصى والضفة ، وأنها تلوم إسرائيل صدقا في التسبب فيها لما كانت هذه الأحداث. هي تعلم ما بينها وبين هذه الدول من متفقات مصيرية ، وتعلم أن الأقصى والضفة وكل فلسطين لا قيمة لها في موازينها ، وأن تدخلاتها وبياناتها نفاق مألوف ينفعها، إسرائيل، ولا يؤذيها .

وهي لم توقف ذبح القرابين في الأقصى إلا خوفا من اصطدام واسع مع الشعب الفلسطيني في مناطق تواجده الثلاث في فلسطين . ونورد مثالا واحدا على تدخل عربي في الشأن الفلسطيني اتصف بالصدق والجدية، فآتى أكله فورا، هو تدخل الملك حسين حين سممت مخابرات إسرائيل في 1997 خالد مشعل رئيس حركة حماس في ذلك الحين ، ورئيسها الحالي في الخارج . أنذرها الملك بقطع العلاقات إن لم ترسل الترياق الشافي لإنقاذه، ففهمت من قوة التهديد أنه للتنفيذ الفوري ، فأرسلت الترياق مسرعة متناغمة مع في التهديد من قوة نية التنفيذ . المجنون يصبح عاقلا حين يرى العصا . ولا عصا عربية صادقة تهدد المجنون الإسرائيلي سوى عصا محور المقاومة العربية الإسلامية المضفورة في جديلة واحدة من حزب الله وإيران والمقاومة الفلسطينية وجماعة أنصار الله اليمنية . لا ننفي لثانية واحدة إيماننا بوفاء الشعوب العربية والإسلامية لفلسطين إلا أن هذه الشعوب في جملتها مقهورة ملغاة الفاعلية من أنظمتها في داخل أوطانها ، فكيف ستحمي فلسطين إبان عجزها عن حماية نفسها ووطنها من تغول هذه الأنظمة عليها وقتل كل طاقاتها ، ومن انحيازها الكلي لأعدائها ؟! حين تتحرر هذه الشعوب تباعا من هذه الأنظمة ، وتستبدل بها أنظمة وطنية منتخبة خاضعة للمراقبة والمحاسبة سيتغير مسار التاريخ العربي والإسلامي لخير ورفاه وعز كل هذه الشعوب ، وستختفي إسرائيل تلقائيا بالهجرة المعاكسة يأسا من البقاء في منطقة تعاديها عداء صادقا جادا، والقلة التي قد تلبث من مستوطنيها في فلسطين سيكون أبعد أحلامها أن يقبلها الفلسطينيون مواطنين متساوين معهم في حقوق المواطنة وواجباتها، ولن تكون حاجة لتدخل عربي في القضية الفلسطينية لا بصفاته القديمة المتآمرة الكارثية ولا بصفاته الجديدة الصادقة الجادة ؛ لأن هذه القضية لن تكون موجودة بعد اختفاء إسرائيل.

المصدر / رأي اليوم