سالت الدموع على خدود بعض الحاضرين وهم يشاهدون فيلم "ميلاد" الفلسطيني، الذي يحكي قصص أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأبرزها النطف المهربة ورحلتها المعقدة حتى تصل إلى زوجة أسير خارج المعتقلات.
يقول الحقوقي فريد الأطرش إنه شاهد الفيلم مرتين، وبكى في المرتين لأن هناك أوجاعا وتفاصيل مؤلمة يعيشها الأسرى وذووهم.
يقول الأطرش للجزيرة نت "بكيت لأن القصص تدخل القلب، ولأن قضية الأسرى إنسانية وعادلة، وجرحهم عميق ومفتوح، فكل بيت فلسطيني عاش حالة الاعتقال، فكيف لك أن تتخيل طفلا ولد من نطف مهربة بعد معاناة طويلة، لا يتم الاعتراف به في القدس والداخل المحتل من قبل الاحتلال" الإسرائيلي.
ويطالب الأطرش بوصفه حقوقيا بالضغط القانوني على دولة الاحتلال، والاعتراف بالوجود القانوني لهؤلاء الأطفال، وخاصة في القدس والداخل المحتل.
أبطال الفيلم
قالت زوجة الأسير الفلسطيني عبد الكريم الريماوي، في مقطع بالفيلم: "الأمر كان صعبا للغاية، ولم أحلم في حياتي أن أنجب ولدا بهذه الطريقة"، في إشارة إلى النطق المهربة.
وتكمل: "من لحظة تهريب النطفة من السجن، وكأنني أحمل جبلا على ظهري لأنني لم أتوقع أن تصل إلى رام الله من شدة الخوف الذي عشته في تلك اللحظات".
لا يمكن القول إن هناك بطلا لفيلم "ميلاد"، فهو يحكي قصصا كثيرة، أبطالها كثر، وحكى عن الاعتقال الإداري، والإضراب عن الطعام، واعتقال النساء والأطفال، والضرب داخل المحاكم، والقضايا المختلفة للحركة الأسيرة.
لم يكن الفيلم وثائقيا أو تمثيليا، كما تقول مخرجته امتياز المغربي، لأنه يصوّر العائلة الفلسطينية في ظل عدم وجود عنصر مهم في المنزل، مثل الأب أو الأخ أو الابن، وهو مبني على قصص حقيقية يرويها أصحابها.
بدأت فكرة الفيلم بالنسبة لمخرجته، كما قالت للجزيرة نت، كرد على فيلم "أميرة"، الذي شوّه نسب أطفال الأسرى في السجون، لكن ومع تصوير الفيلم لأكثر من 5 أشهر، وجدت امتياز المغربي أن الأمر لا يمكن أن يبقى مجرد رد على فيلم، فهناك تفاصيل كثيرة وقصص يجب أن تُحكى.
أظهر الفيلم من عاش أول قضية للنطف المهربة، وهو ابن الأسير سامر الزبن من نابلس، وتحدث عن ذلك الطبيب المختص سالم أبو الخيزران، وكيف أن هناك دقة كبيرة في التعامل مع الموضوع منذ اللحظة الأولى وحتى وصوله إلى زوجة الأسير، وليس بالسهولة التي يتخيلها البعض.
وروت بطلات الفيلم، من نساء الأسرى وحتى أقاربهن، تفاصيل الانتظار والحمل والولادة، التي تعتبر جميلة ودقيقة للنساء في كل مكان، فكيف إن كان الأمر يتعلق بوالدٍ أسيرٍ ومعزول، وفق المغربي.
صورة بلا أم
أبرز القصص التي رويت في فيلم "ميلاد" كانت لأمّ فلسطينية من قطاع غزة تم اعتقال نجلها، وبسبب إصابته والإهمال الطبي في السجون، بتر الأطباء إحدى قدميه، فقامت الأم بدفن القدم في قطاع غزة.
وبسبب سوء حالة الابن الصحية، نقل للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية المحتلة، وبعد مدة قطع الأطباء الرجل الأخرى، ودفنتها الأم في الضفة الغربية.
ظهرت الأم المكلومة في الفيلم تارة وهي تحمل صورة ابنها في أحد الاعتصامات الداعمة للأسرى وهو برجل واحدة، وبعد فترة حملت صورة لابنها من دون رجلين، وفي مقطع لاحق ظهرت صورة الابن الأسير بلا قدمين، ولكن هذه المرة من دون الأم، التي توفيت وهي تتحسر على نجلها وحاله.
شهادة بالدموع
اعتبرت مخرجة الفيلم امتياز المغربي أن دموع المشاهدين كانت أكبر شهادة منهم على تسرب القصص إلى قلوبهم، على الرغم من امتداده على قرابة 70 دقيقة، ولم تستطع المغربي أن تضيف مزيدا من القصص التي حصلت عليها لصعوبة نشرها.
وما زال الفيلم يعرض في مناطق مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، ويروج له أبطاله ومن يشاهده، حتى تصل فكرة الدعم للأسرى وذويهم، وتعريف الناس بمعاناتهم وتفاصيل حياتهم ليبقوا بجانبهم في كل وقت وحين.