أثبت الاقتحام المتجدد لشرطة الاحتلال الجمعة للمسجد الأقصى، بعد أقل من 24 ساعة على بيان اللجنة الوزارية العربية التي عقدت في عمان، أن البيانات والمناشدات العربية، سواء كانت مخففة ومفصّلة على حد أدنى من التوافق العربي أو شديدة اللهجة، لا تردع دولة الاحتلال عن مواصلة ممارساتها ومخططاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عمومًا، وفي القدس المحتلة على وجه التحديد.
بل إن هذه البيانات والدعوات لتنسيق الموقف وبلورة تحرك محدد تمنح (إسرائيل)، كما دائمًا، مزيدًا من الوقت لفرض وقائع جديدة على الأرض، تعتبرها مكسبًا ناجزًا ترفض العودة إلى ما قبله وتغيّر باستمرار حدود وتخوم "الأمر الواقع" من جديد.
فالاقتحامات، ومنذ بدأتها قوات الاحتلال قبل أسبوع وتكررت الجمعة، تمتاز بأمرين أساسيين جديدين تريد (إسرائيل) تحويلهما إلى جزء من الوضع القائم. الأول هو ساعات الاقتحام الدورية بين السادسة والنصف صباحًا وحتى العاشرة تقريبًا، وهي الفترة التي تريد تكريسها كفترة مخصصة لاقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى. والأمر الثاني يتعلق بتكرار إخراج المصلين والمعتكفين، من المسجد الأقصى، أو حجزهم داخل المصلى القبلي وقبة الصخرة، كي يتسنى للمستوطنين التجوّل "بحرية"، وأن يرتلّوا ويرددوا، خلافًا للماضي، صلوات وشعائر توراتية وتلمودية، في باحات المسجد الأقصى، من دون مقاومة أو معارضة الموجودين في المسجد من الفلسطينيين.
ويهدف قمع المصلين والمعتكفين والمرابطين، بالقسوة الشديدة وبالقنابل المسيلة للدموع والغاز والقنابل الصوتية مع الاعتداء الجسدي، على كل من تقع عليه عيون الجنود، سواء كان شابًّا أو مسنًّا ودون استثناء الأطفال والنساء، إلى محاولة "كي وعي" الفلسطينيين عمومًا، والمقدسيين خصوصًا، بأنه يستحسن لهم عدم الوجود بين هاتين الساعتين في باحات الأقصى، كي لا يصابوا بأذى أو يتم الاعتداء عليهم.
وعلى ضوء ذلك فإنه من الواضح أن بيان اللجنة الوزارية العربية، والرسالة التي حملها الرئيس محمود عباس للمبعوثين الأميركيين يائيل لامبرت وهادي عمرو، في لقائه معهما الخميس، والاتصالات مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لن تزحزح (إسرائيل) عن مخططها، ما لم تواجه موقفًا عربيًا، واضحًا، خصوصًا من الدول المطبعة معها، بإعادة النظر في مسلسل التطبيع، والدول الأخرى برفض أي معاهدة مع (إسرائيل) ما لم تتجه دولة الاحتلال لمسار يفضي في نهاية المطاف إلى إنهاء الاحتلال لكل الأراضي العربية وإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو/ حزيران وعاصمتها القدس.