فلسطين أون لاين

للعام الثالث على التوالي

تقرير بأهازيج وطنية يعيد "ثائر" المسحراتي لحارات نابلس القديمة

...
المسحراتي ثائر - أرشيف
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

يجوب ثائر الرطروط بزيه التقليدي الشعبي حارات البلدة القديمة نابلس فجرًا، وهو يردد أهازيج رمضانية تدعو لتحرير الأقصى وتنادي بحب الوطن.

بلهجة نابلسية يمتد فيها الحرف الأخير مع كسره يصيح المسحراتي ثائر: "يا نايم قوم اتسحر وادعي للأقصى يتحرر"، "رن رن يا جرس وادعي للأسرى بالفرج"، و"يارب يا معين إحمي شباب فلسطين، يا رب يا معين انصر المجاهدين".

ولا ينسى أن يذكر الناس ببطولات جنين، وغزة، والترحم على الشهداء، والفرج القريب للأسرى، ويتفاعل معه سكان البلدة القديمة رجالها ونسائها، وحتى أطفالها الذين يرددون خلفه.

رثاء الشهداء

في منطقة الشهيد "الفسفوري" لا ينسى ثائر "37 عامًا" بيوت الشهداء، فيرد بيوتهم فجر كل يوم رمضاني، ينشد لأمهاتهم ويدعو لهم، ثم ينطلق ليواصل مهمته في إيقاظ الناس لسحور، قبل أن يدلف إلى بيته ليتناول السحور برفقة عائلته.

وعن ذلك يتحدث ثائر: "لشهداء البلدة القديمة مكانة كبيرة في قلوبنا وقلوب الجميع، وفي كل ليلة نمر بالقرب من بيوتهم، نُسمع عوائلهم الأهازيج التي ترثيهم وتدعو لهم وهذا الأمر يُسعدهم".

يسير "ثائر" بين أزقة البلدة القديمة نحو ساعة، بعضهم يدعوه إلى تناول السحور معهم، ويكرمونه بالحلويات، والمعجنات، والمشروبات، وزجاجات المياه ليروي عطشه.

صوت غاب لسنوات

يقول ثائر لـ"فلسطين": "منذ نحو عشرين عامًا اختفت عادة المسحراتي عن حارات البلدة القديمة بعد وفاة قدامى المسحراتية، حتى جاءتني فكرة إحيائها منذ بدء جائحة كورونا، رغبة مني بعمل شيء يخدم بلدي في ظل فرض الحجر المنزلي آنذاك، وأردت أيضًا إدخال البهجة على قلوب الأطفال الذين تأثروا بالجائحة ولازموا البيوت".

ويتابع: "أعمل مسحراتي للعام الثالث على التوالي، لا أتلقى أي أجر ولا أبتغي سوى الأجر من الله. أردت إحياء التراث الفلسطيني والمحافظة عليه من الاندثار، فجيل اليوم لا يعرف المسحراتي لأنه لم يتربى على صوته كما كنا في السابق".

ولأن نابلس تسمى بـ"دمشق الصغرى" اشترى ثائر الزي التقليدي الذي يلبسه مسحراتي حرات الشام السورية، فيما أهداه صديقه الطبل ليعيد بهيئته أجواء الزمن الجميل إلى مدينة جبل النار.

ويمضي إلى القول: "المجتمع الفلسطيني يحافظ على مظاهر وعادات شهر رمضان وروحانياته، وقد استمرت وظيفة المسحراتي كتقليد يحمل في طياته الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل ممارسات احتلالية تسعى دوما لطمس كل ما هو عربي فلسطيني إسلامي، فترى المسحراتي يلبس ثيابا تقليدية، ويحمل طبلا وعصا على مر السنوات".

حينما قرر ثائر أن يعمل مسحراتيًا لاقى استهزاء وسخرية من أصدقائه، ولكنه لم يعبأ لذلك، وقد لاقى أداؤه استحسانا من أهل البلدة القديمة، وصاروا يشاركونه الطواف بين البيوت وإيقاظ الناس.

وقد ذاع سيط ثائر في كل أنحاء الضفة الغربية، حيث تواصل معه عدة أشخاص من عدة مناطق كجنين، ونابلس، ومخيم بلاطة وغيرها، ويستشيرونه بالعبارات التي يمكن أن يرددها.

انتظار وضيافة

على النوافذ تقف النسوة ينتظرن المسحراتي ثائر، والرجال على الأبواب ينتظرونه بالعصير والماء، والحلويات. وبفرحةٍ كبيرة ينتظر أطفال البلدة قدومه على نوافذ بيوتهم، ليلقوا عليه التحايا ويستمعون للأهازيج التي حفظوها وباتوا يرددونها خلال لعبهم، ويلتقطون له الصور ومقاطع الفيديو.

تعود سكان البلدة القديمة على صوت ثائر وقرع طبله، وحينما يتعذر عليه الوصول لبعض الأزقة، يفتقده الناس ويدعونه ألا يحرمهم من طلته حتى ولو كان تعبًا.

ويعتزل ثائر طبله في الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان؛ هربًا من المساعدات المالية التي اعتاد أهالي البلدة القديمة تقديمها للمسحراتي منذ قديم الأزل.

ويختتم حديثه: "عمل المسحراتي جميل ويعطي بهجة في رمضان، وأحلم أن أعمل مسحراتيًا بين أزقة وحارات البلدة القديمة في القدس".