فلسطين أون لاين

"في بلد المحبة والسلام"

خليل.. مسيحي يشاطر أشقاءه المسلمين الصيام على طريقته

...
المسيحي خليل كوع
نابلس-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

منذ عشر سنوات خلت والمسيحي الفلسطيني خليل كوع يجهز نفسه لشهر رمضان قبل قدومه، ليشرع في الترتيب لمشروعه السنوي "إفطار صائم" الذي يعده تجسيدًا للحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد وإبرازًا للوحدة الوطنية حتى وإنْ اختلفت الديانة.

فقبيل رمضان بأيام ينزل خليل "40 عامًا" ورفاقه في فريق" جولة نابلسية" لتزيين شوارع "رفيديا" "غرب مدينة نابلس" احتفاءً بقدوم رمضان، ثم ينطلق ليشتري التمر وزجاجات المياه ويقوم بتوزيعها في حصص ليقدمها للصائمين المسلمين الذين تقطعت بهم الطرق بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي التي تفصل مدينة نابلس عن محيطها من المدن والقرى بالضفة الغربية أو مَنْ تأخروا عن الوصول لمنازلهم لأي سببٍ كان.

يعمل خليل على تبريد المياه في ثلاجة الكافتيريا التي يمتلكها داخل المستشفى الإنجيلي بالمدينة ليسلمها للصائمين وهي باردة، ثم يجهزها يوميًا ويضعها داخل سيارته قبيل أذان المغرب وينطلق فيها للتوزيع الذي يبدأ فيه بعد الأذان مباشرة.

وبالأساس كان خليل يذهب لـ"حواجز الاحتلال الإسرائيلي" على مداخل مدينة نابلس، أما الآن فأكثر مكان يتمركز فيه هو دوار الشهداء مقابل المستشفى الوطني.

ويسكن خليل منطقة رفيديا التي كانت في السابق ذات أغلبية مسيحية لكنها اليوم ذات أغلبية مسلمة، "لكننا كلنا هنا أهل لا فرق بين مسيحي ومسلم، ففرحنا فرحهم وعزاؤنا عزاؤهم، فكلنا إخوة"، يقول مستدركًا.

محبة وسلام

ويرى خليل أن مشاركته في الفعاليات الدينية الإسلامية رسالة للعالم كله بأن فلسطين "بلد محبة وسلام"، مشيرًا إلى أن نشاطه الرمضاني جزء من عدة أنشطة يشارك فيها جيرانه وأهله المسلمين مناسباتهم كتوزيع الحلوى في المولد النبوي الشريف.

وفي عيد الفطر أيضًا ينطلق خليل لتوزيع كعك العيد على الناس خاصة الأطفال ما يُدخل البهجة على قلوبهم، وقد بدأ كوع نشاطه ضمن فريق مصورين هواة كان المسيحي الوحيد بينهم يقومون بتصوير الأماكن الفلسطينية الجميلة ويعرفون الناس من خلال صورهم على فلسطين.

يقول: "أنا مستمر في التصوير كهواية محبة للبلد وللمغتربين والعالم حتى يروا بلدنا، ولديّ صفحة على الفيسبوك أعرض عليها صوري ليراها الناس داخل وخارج فلسطين".

ثم لاحقًا تقلص فريق "جولة نابلسية" من المصورين ليقتصر على خليل واثنيْن آخريْن، انضم إليهم لاحقًا ثلاثة شباب آخرون ليساعدوهم في تنفيذ الأنشطة في المناسبات الدينية.

ويمضي إلى القول بأن فكرة الجولة النابلسية "لاقت إعجابًا كبيرًا من المحيطين، وأصبح هناك الكثيرون يريدون المساعدة والتبرع، ويسألونني من قبل رمضان بشهر عن مشاريعي، وكثيرون يريدون الانضمام لنا، لكن المشروع لا يحتاج إلى الكثير من العاملين".

ويتابع: "الجميع سعيد بمشاريعي ويشجعونني على الاستمرار فيها حتى أصبح واجبًا عليَّ، حتى إنني استمررتُ فيه في رمضان خلال "كورونا" والإغلاقات".

ويتابع: "كنا نقدم الماء والتمر أيضًا للمتأخرين ولأفراد أجهزة الأمن رغم المخاوف الصحية علينا إلا أننا لم نستطِع التوقف عما نفعله".

ويشعر خليل بالسعادة الغامرة كلما تواصل معه متطوعون آخرون من مدن فلسطينية أخرى وأخبروه بأنهم معجبون بفكرته وقلدوها في مدنهم، "أشعر بالسعادة بأنني قد نفذت فكرة جميلة وقلدني الآخرون فيها، كما أن كثيرين يتبرعون الآن لتوفير التمر والماء الذي أقوم بتوزيعه على حسابهم الشخصي".

تجسيد للتسامح

ويؤكد خليل أن ما يقوم به من مبادرات هو تجسيد للتسامح بين الأديان، وترسيخ للتعايش والسلام بين الديانات الثلاث التي تحتضنها مدينة نابلس، الإسلام والمسيحية والسامرية، إذ يعمل معه في الفريق شاب من الطائفة السامرية.

ولغزة حصة في قلب خليل إذ أطلق وفريقه على عيد الفطر الذي وافق العدوان الإسرائيلي عام 2014 "عيد شهيد"، حيث خرجوا وقت صلاة العيد لتوزيع "المعمول" الذي كتب عليه "عيد شهيد"، "على حين كنا نرتدي ملابس كتب عليها (كلنا غزة)، فنحن وطن واحد وما يؤلم جزءًا منه يؤلمنا جميعًا".

ويذكر أن نابلس تحفل بمزيج معماري ديني مميز، فهي المدينة الوحيدة في الأراضي المقدسة، التي تضم أبناء ثلاث "شرائع" هي الإسلام والمسيحية والسامرية، وتضم الكنائس والمساجد والأديرة والمعابد، التي يعود تاريخها إلى عهود مختلفة.