تتصاعد الهجمة اليهودية على المسجد الأقصى من خلال الاقتحامات المتكررة والمتتالية التي يقوم بها المستوطنون ويحميها جيش وشرطة الاحتلال، هذه الحماية الرسمية والكاملة التي يصاحبها بالضرورة قمع شديد للفلسطينيين المرابطين في المسجد الأقصى، حماية المرابطين للأقصى محاولة ليست يائسة ولكنها هشة وضعيفة بطبيعتها لأنها ليست سوى تصدي مدني أعزل لجيش مسلح، هذه الحالة تعكس مدى كذب الجانب الصهيوني الذي يحاول إظهار الأمر وكأن الذين يقومون بالاقتحام قلة قليلة من غلاة المتطرفين، هذه الدعاية الصهيونية للأسف انساقت لها بعض الوسائل الإعلامية وبعض المحللين الذين يطلقون على المقتحمين "غلاة المتطرفين"، وأنا أزعم أن هؤلاء يمثلون الغالبية الساحقة من المجتمع الصهيوني وأزعم أن اقتحاماتهم تحظى بدعم غالبية الصهاينة باختلاف توجهاتهم السياسية، وليس أدل على ذلك من أن هذه الاقتحامات مدعومة بغطاء سياسي من حكومة تمثل طيف من الاتجاهات السياسية من اليمين للوسط إلى اليسار وحتى وقت قريب من القائمة العربية التي جمدت عضويتها في دعم الحكومة في الفترة الأخيرة خجلاً من غضب الشارع الفلسطيني.
الحكومة الصهيونية عندما توفر الدعم والغطاء السياسي لهذه الاقتحامات بدعوى حق اليهود في ممارسة حرية العبادة هي بالتأكيد تفهم جيداً أبعاد هذا القرار الذي لم يكن ليُتخذ لولا يقين الجانب الصهيوني أن هناك "ليس تغاضياً" عن هذه الاقتحامات ولكن قبولاً عربياً بها، وما بعض الإدانات المغلفة بالأناقة الدبلوماسية إلا لذر الرماد في عيون الفلسطينيين الغاضبين، ما سبق ليس حديثاً يفترى على الجانب العربي الذي يحلو للبعض بوصفه عاجزا وأنا أظنه ليس عاجزا بقدر ما هو موافق على ما يحدث، وهذه الموافقة متولدة من قناعة لديهم بأن الفلسطينيين يثيرون موجة تحريض لا داعي لها، "حقاً هم يرون ذلك" - بصيغة التأكيد وليس بصيغة الاستغراب أو الاستنكار-، والدليل على ذلك يمكن فهمه من خلال عدة تصريحات وتصرفات وإجراءات أرصد بعض منها، فمثلاً على الصعيد الفلسطيني صرح منصور عباس قبل مدة أنه لا بأس من أن تكون القدس مكاناً مقدساً للديانات الثلاث والسماح لأتباع هذه الديانات بالصلاة بحرية في المدينة المقدسة وإذا كان منصور عباس عبر عن قناعاته بوضوح فإن السلطة الفلسطينية التي تنسق أمنيا مع الاحتلال لا تزال تقف في المنطقة الرمادية بين وضح منصور عباس ودبلوماسية الشجب العربية فهي مطالبة وفق اتفاقات التنسيق الأمني بالمحافظة على أمن الاحتلال ومستوطنيه ومنع أي تعرض لهم بالسوء، ولذلك قامت بشجب العمليات الفدائية في كل من الخضيرة والنقب وتل الربيع وهي الآن منضمة لجوقة التنديد والشجب العربي لاقتحامات المستوطنين علها تستر به عورتها المفضوحة.
أما خليجيًّا فأنا أعتقد أن الأمور أصبحت واضحة ولا مراء فيها فالإمارات التي تمثل القيادة الفكرية لمنطقة الخليج حالياً وخاصة دول "التطبيع العلني" أنشأت قبل فترة مركزا للأديان الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلام في دبي ودعت أتباع الديانات الثلاث للصلاة فيه، وبالتالي فإن كانت تقبل ذلك على أراضيها فكيف سترفضه في فلسطين ولقد نشرت قناة الجزيرة قبل يومين في تقرير لها أن الإمارات مقدمة على إنشاء حي يهودي في مدينة دبي قريباً يضم كنيساً ومركزاً مجتمعياً وليس غريباً أن يأتي هذا التوجه الإماراتي في ظل الهجمة اليهودية على الأقصى.
أما المغرب فهي حسب التوصيف الرسمي "رئيس لجنة القدس" التي أعلنت تطبيعها العلني بعد عقود من تطبيعها السري منذ عهد الملك الحسن الثاني. وكان من أهم وأبرز معالم هذا التطبيع السماح بإقامة الكنس اليهودية في المغرب للطائفة" اليهودية النشطة صهيونيًّا في دولة الاحتلال، ومن هذه الطائفة الحاخام الأكبر لدولة " إسرائيل عفاديا يوسف".
ويبقى مصر التي تمارس دور الوسيط الذي يسعى دائمًا لنقل الرسائل ما بين الاحتلال والمقاومة لمنع نشوب الحرب، ولكن أظن أن الأمر في عرف السياسية المصرية لا يستوجب كل هذا "التصعيد غير مبرر" وينظرون للأمر على أنه أحداث عابرة لا يجب التوقف عندها كثيراً، أما الأردن فمثلها كمثل ولي الدم المتصالح مع القاتل فلا هو قادر على الأخذ بثأره ولا هو قادر على الصمت على تصرفات غريمه الذي لا يترك له ولو قشة ليسند موقفة بها، فتراها بين الحين والأخر يشجب ويستنكر ويُذكّر بالحماية الهاشمية للمقدسات علّ "الذكرى تنفع المحتلين".
أما بقية العرب فهم غير مهتمون أصلاً ولا يعتبرون مدينة القدس تشكل لهم هاجساً يدفعهم لاتخاذ أي خطوة من شأنها أن تزعج الإدارة الأمريكية التي يسعون بكل الوسائل لإرضائها.
إذًا فالعرب ليسوا عاجزين ولكنهم مقتنعون أن صلاة اليهود في الأقصى أمر طبيعي لا يستوجب كل هذا القدر من التحشيد الإثارة، وعما قريب قد نشهد شجب للفلسطينيين كونهم يمنعون حرية العبادة لليهود ولا عجب!
كان قد لفت انتباهي عدم قيام الرئيس الأوكراني زيلينسكى بمخاطبة أي برلمان عربي رغم حرصه الشديد على مخاطبة برلمانات دول العالم لجلب الدعم السياسي لبلاده ضد الحرب الروسية، ولكن أظنه قد حسم أمره ونفض يده من هذه المجموعة التي لا تكترث بالدفاع عن مقدساتها فكيف ستدافع عن أوكرانيا.