فلسطين أون لاين

حوت موسى وفَتاهُ

...
صورة تعبيرية
د. زهرة خدرج - كاتبة وروائية فلسطينية

في قصص سابقة، تحدثنا عن نبي الله موسى مع العصا التي تحولت إلى ثعبان بقدرة الله، وقصته مع عجل السامري، وقصته مع بقرة بني اسرائيل. والآن نتناول قصة نبي الله موسى وفتاه مع الحوت.

وقف نبي الله موسى يوماً أمام بني إسرائيل يلقي خطبة، فسألوه:" من هو أعلم أهل الأرض؟".. فقال:" أنا!"

فعاتبه الله عز وجل لأنه لم يُرجع الفضل إليه.. وأخبره أن هناك رجلا صالحا أعلم منه عند مجمع البحرين وهو مكان يعلمه موسى جيداً، واستأذن موسى ربه أن يمضي للقائه، فأخبره أن المكان الذي يفقد فيه الحوت سيجد فيه الرجل الصالح.

خرج موسى برفقه فتاه يوشع بن نون وحملا معهما حوتاً (والحوت هنا يعني سمكة كبيرة)، سارا مسافة طويلة حتى تعبا وشعرا بالنعاس.. فاستندا إلى صخرة وناما.

فتحرك الحوت داخل وعائه وسقط وأنطلق إلى البحر هارباً.

استيقظ موسى وفتاه وتابعا سيرهما ونسيا الحوت. فلما شعر موسى بالجوع طلب من فتاه أن يُحضِّر لهما الطعام.. فتذكَّر الحوت، فلم يجده في الوعاء، فقال لموسى:" أتذكر عندما جلسنا أمام الصخرة؟ لقد هرب الحوت هناك.. ونسيت أمره، ولم ينسني إياه إلا الشيطان".

سُرَّ موسى لذلك، وعادا إلى المكان الذي هرب فيه الحوت، فوجدا العبد الصالح بانتظارهما.

بادر موسى بطلب العلم من الرجل الصالح وهو نبي الله الخضر، فقال له الخضر:" لن تستطيع أن تصبر على ما لا تعلم".. وكان الخضر يعلم أن موسى نبيٌ لا يسكت عن إنكار أي مخالفة لشرع الله.

فتعهد له موسى أن يصبر وألا يعصي أمره، وألا يسأله عن شيء يفعله حتى يبادر هو بتفسيره.. فوافق الخضر.

ركبا في سفينة وعبرا البحر، فثقب الخضر أرضها، فغضب موسى قائلاً:" أتريد أن تهلك أهلها؟ لقد فعلت فعلاً منكراً". فنظر له الخضر قائلاً:" ألم أقل لك إنك لن تصبر على رفقتي؟" فاعتذر موسى وقال:" لا تؤاخذني، لقد نسيت العهد".

ثم واصلا المسير إلى الساحل، فوجدا صبياناً يلعبون فأخذ الخضر أحدهم فقتله، فغضب موسى بشدة وقال:" أقتلت نفساً بريئةً دون ذنب.. إن هذا لأمر مخيف عظيم!"، فذكَّره الخضر بالعهد قائلاً:" ألم أقل لك إنك لن تصبر على ما أفعل، فاعتذر منه موسى، وطلب منه فرصةً أخيرةً، قائلاً:" إن سألتك عن شيء بعدها فلا ترافقني".

تابعا المسير إلى قرية وقد أنهكهما الجوع والتعب، فطلبا من أهلها طعاماً فرفضوا إطعامهما، ووجد الخضر جدار بيت يكاد ينهار، فأصلحه.. فتعجَّب موسى قائلاً:" لو أنك أخذت أجراً على عملك". فقال الخضر: أنت لا تستطيع الصبر، وسنفترق هنا، وسأخبرك بتفسير ما لم تصبر عليه.

قال:" كانت السفينة لمساكين يعملون في البحر، فخرقتها حتى لا يأخذها الملك الظالم، وأما الغلام فعندما يكبر سيُتعب والديه بكفره، وسيبدلهما الله بولد مؤمن يُدخل السرور على قلبيهما، وأما الجدار في القرية فتحته كنز لولدَين يتيمين كان أبوهما مؤمناً، فأراد الله أن يبقى الكنز تحت الجدار القديم ولا ينهار حتى يكبرا ويستخرجا كنزهما.

ذهب الرجل الصالح مختفياً، وعاد موسى لقومه.. وأيقن تماماً أن الله أعلم بما يجري وكيف سيجري بعد ذلك.