فلسطين أون لاين

تقرير حياة عُمال البناء في رمضان.. رأس على عقب

...
عمال البناء - (أرشيف)
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

يشهد شهر رمضان المبارك أعباء إضافية على أصحاب الحِرف لكونهم يعتمدون في عملهم على بذل مجهود بدني كبير، ومن هؤلاء عمال البناء الذين يتخلل عملهم مشقة كبيرة تجعلهم غير قادرين على العمل في نهار رمضان، فيلجأ بعضهم لاختصار أوقات عمله أو قلب ليله نهاراً.

فعامل البناء أكرم حسين (30 عاماً) ينقلب ليله نهاراً ونهاره ليلاً في رمضان؛ إذ لا يكون قادراً على العمل في النهار وهو صائم، "عملنا يتطلب جهداً بدنياً كبيراً لا نقوى عليه ونحن صائمين فنضطر لأنْ نغير نظام يومنا طوال الشهر الفضيل".

وإبقاء العمل في وقته المعتاد أمرٌ مستحيل، فيكون الخيار أمام حسين إما العمل بعد السحور مباشرة حتى قرب صلاة العصر وإما قلب ليله نهاراً والبدء في العمل بعد تناول طعام الإفطار وحتى السحور، فما إنْ يصل إلى منزله حتى يغط في النوم مباشرة.

فـفي الحالتيْن يعمل حسين مباشرة بعد تناوله الطعامَ ويكون جسمه قد امتلك بعضاً من الطاقة التي تمكنه من العمل عدة ساعات بشكل جيد ثم يحاول التعالي على نفسه ومواصلة العمل عدة ساعات أخرى حتى يُصاب بالإنهاك الشديد ولا يعود قادراً على الوقوف.

غير أن خيار التوقف مع حالة الإجهاد التي تصيبه ليس واردًا خلال رمضان، "في ظل قلة فرص العمل. أكون سعيداً جداً بالحصول على أي عمل حتى لو كان في رمضان، فمصاريف رمضان والعيد كثيرة وأنا بحاجة لأن أسد رمق أسرتي وأوفر احتياجات أبنائي".

وتشير تقديرات "الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين" في غزة إلى وجود 250 ألف عاطل عن العمل، بنسبة تقدر بنحو 55%.

ظلال سلبية

في المقابل يقول حسين، إن اختلاف ساعات العمل في رمضان يلقي بظلال سلبية على علاقاته الاجتماعية فهو إما أن يعود عصراً منهكاً فلا يستطيع القيام بزياراته ولا يستعيد قواه سوى بعد الإفطار بوقت طويل، وإما يضطر إلى الخروج بعد الإفطار فلا يستطيع استقبال الزوار أو زيارة أحد.

ويمضي إلى القول: "أضطر إلى الضغط على نفسي في الأيام التي أعود فيها عصراً بأنْ أجمع زياراتي الاجتماعية فيها وأخرج لها بعد التراويح وأقضيها سريعاً حيث لا يمكنني السهر عند أي أحد لأنّ عليّ عمل في اليوم التالي".

ولا يختلف الحال كثيراً لدى العامل حسن جميل حجي (51 عاماً) الذي يعمل في مجال البناء منذ 25 عاماً، فنظام العمل يتغير تماماً في رمضان، "فنحن في الأيام العادية نعمل صباحاً منذ الساعة السابعة، حتى المغرب تقريباً".

ويتابع: "لكن لأن عملنا يحتاج لمجهود بدني كبير فلا يمكننا أبداً العمل ونحن صائمين في نفس الأوقات التي نعمل فيها في غير رمضان، فيكون الخيار أمام العمال إما العمل بعد السحور وإما بعد الإفطار".

في الماضي كان يعمل حجي في الفترة المسائية بعد تناول الإفطار لكنه واجه صعوبات، منها: صعوبة الرؤية والإزعاج الذي يسببه هذا العمل للسكان المحيطين بموقع البناء، "فاعتمدتُ منذ عدة سنوات العمل بعد صلاة الفجر وحتى صلاة العصر تقريباً أو حتى نفاد طاقة العمال وعدم قدرتهم على الاستمرار".

ويصف حجي العمل في قطاع الإنشاءات بأنه "شاق في الوقت العادي فما بالك في رمضان؟!"، مشيراً إلى أنه يحاول أنْ يبتعد خلال السحور والإفطار عن الأطعمة التي تسبب العطش أو تهيجاً في الأمعاء حتى لا تسبب له مشكلات في أثناء العمل.

ويكيف حجي زياراته الاجتماعية في رمضان حسب أوقات عمله، فقد يتحامل على نفسه ليؤديها بعد العودة من العمل عصراً بعد أخذ قسط بسيط من الراحة، أو يقضيها سريعاً بعد صلاة التراويح لكن دون أنْ يستطيع السهر عند أي أحدٍ ممن يزورهم، لأن هناك عملًا شاقًّا ينتظره في اليوم التالي.

ويضيف حجي: "ليل رمضان قصير ولا يمكنني طبعاً ترك عملي الذي هو مصدر دخلي الأساسي، لكن في رمضان أكون فقط متفرغاً يوم الجمعة فيمكنني فيه استقبال الزوار من الأقارب وقضاء بعض الوقت معهم".

ويعتبر قطاع الإنشاءات والمقاولات في غزة من أكثر القطاعات الاستراتيجية، حيث يبلغ عدد الشركات المسجلة ضمن اتحاد المقاولين 250 شركة، ويقدر عدد العاملين فيه بأكثر من 30 ألف عامل بشكل مباشر، بالإضافة لمساهمته في توفير 20 ألف فرصة عمل في حال اكتمال الدورة الاقتصادية لعمل مصانع البلوك والحجارة.