فلسطين أون لاين

تقرير بيوت الأمهات الأسيرات في رمضان.. قناديل مطفأة

...
الأسيرة سعدية فرج الله (أرشيف)
رام الله – الخليل / فاطمة الزهراء العويني:

لا يُبدي الشاب عمر الخطيب "23 عاماً" أي حماس لاستقبال رمضان الثاني على التوالي دون والدته الأسيرة ختام السعافين، فقد مرَّ رمضان العام الفائت باهتاً دون أي روح، وقضى وقته هو ووالده وحدهما في المنزل، دون أنْ يجدا مَنْ يؤنسهما ويهتم بهما.

يقول عمر إن رمضان الفائت كان صعباً للغاية على نفسه، فقد قضاه وحيداً مع والده في المنزل الذي خلا من صوت أمه وأجواء الرمضانية التي تحدثها طيلة أيام الشهر الفضيل، وأكلاتها التي كانت لا تعد شيئاً منها إلا بعد مشاورته ومعرفة رغباته في المقام الأول.

ويشير إلى أنه رغم أن الأسرة محدودة العدد فليس له سوى شقيقتين متزوجتين إحداهما مغتربة والأخرى تقيم في مدينة رام الله، إلا أنه لم يكن يشعر بالوحدة أبداً بوجود والدته البالغة من العمر ثمانية وخمسين عامًا.

كان البيت يعج بالضيوف الذين تدعوهم أمه لتناول الإفطار الرمضاني مع أسرتها وتحرص على أنْ تعد لهم ما لذ وطاب من الطعام بنفسها.

ويمضي إلى القول: "كانت تعد عدة ولائم في الشهر الفضيل منها لأهل أبي وأخرى لأهلها، فلم يكن البيت يخلو من الزوار والأهل، اشتقتُ لـ"حسها" في المنزل وأكلها الشهي، فاليوم لا رائحة طبخ في المنزل سواء في رمضان أو غيره، نعتمد على الوجبات الجاهزة في طعامنا".

وبوجود السعافين بين أسرتها، كان المنزل لا يخلو من ضجيج الصغار الذين تتركهم ابنتها "رينا" وقت ذهابها إلى العمل، أما اليوم فلم تعد حفيدتاها تأتيان إلى البيت إلا للزيارة وقد لا يمضيان النهار بكامله بيننا.

ويردف: "كانت البهجة تعم المنزل بوجود ابنتَيْ شقيقتي، التي كانت تأتي أيضاً كل جمعة في رمضان وغيره لتقضي يومها بالكامل لدينا، أما الآن فنفتقد أنا ووالدي تلك الأجواء فنقضي أغلب الوقت وحيديْن يعم الصمت منزلنا".

وحتى الزيارة السنوية لشقيقته المغتربة أمل لم تعد تحمل البهجة ذاتها في غياب الأم التي كانت تجهز لها أجواء خاصة وتحتفي بها، "تأتي أمل في كل عام زيارة لمدة عشرة أيام، في الزيارة السابقة افتقدت كل التفاصيل التي كانت تخصها بها أمي، ومن المتوقع أن تصل هذا العام على مشارف رمضان لزيارتنا وللمرة الثانية في غياب أمي".

وهذه ليست التجربة الاعتقالية الأولى لـ"السعافين"، إذ اعتقلت لأول مرة كان ذلك في ديسمبر/كانون أول عام 1989 بسبب مشاركتها في "انتفاضة الحجارة". كما اعتقلت إداريًا للمرة الأولى عام 2017 لمدة ثلاثة أشهر، فيما جاء اعتقالها الأخير في نوفمبر/ تشرين ثاني 2021 بادعاء أنها نشيطة في الجبهة الشعبية وتشكل خطراً على أمن المنطقة.

الدافع مختلف

وفي بلدة إذنا بمحافظة الخليل، فيما يستعد المواطنون لاستقبال رمضان ببهجة كبيرة وطقوس اعتاد عليها أهل المدينة، تعد حياة مطر "24" عاماً الأيام والساعات والدقائق لـ"رمضان" أيضاً، ولكن دافعها مختلف، فالشهر الفضيل سيحمل في طياته أول زيارة لها لوالدتها الأسيرة سعدية فرج الله "65 عاماً" في سجنها.

وتمضي حياة وقتها في انتقاء كل ما تحبه والدتها من أطعمة لتحملها لها خلال الزيارة، "لم يعد للبيت معنى بدونها، فقد كنا وحدنا معًا بعد أن تزوج أشقائي وشقيقاتي وتفرقوا في بيوت مختلفة، كانت شمعة المنزل تجمعنا بوجودها".

ومنذ أسر والدتها في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2021، تفتقد حياة الأجواء الأسرية الدافئة، فقد أغلقت المنزل وانتقلت للعيش في بيت شقيقٍ لها، "لم نعد نجتمع نحن الثمانية كما كنا نفعل في وجودها، لا أستطيع أن أحبس دموعي كلما تذكرتُ موقفاً جمعني بها".

وجاء اعتقال فرج الله بعد الاعتداء عليها بالضرب، قرب المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة.

ولا تستطيع حياة تخيل رمضان بدون والدتها، "فقد كان البيت لا يخلو من أشقائي وأبنائهم، وكانت تتحمل المشاق لكي تذهب للسوق رغم كبر سنها، لتشتري ما يشتهيه أحفادها من طعام ولباس، وكانت تخصني بتوفير كل ما أشتهيه".

وتقول: "أشتهي أن تجمعني مائدة الإفطار في رمضان مجددًا مع والدتي، أن آكل من صنع يديها، أنْ تصنع لي "المسخن" الذي أعشق لمساتها فيه، ولكن الحال هذه المرة مختلفًا فبدل أن أجتمع معها على سفرة واحدة، سأزورها للمرة الأولى وهي خلف القضبان".

يشار إلى أن الاحتلال سمح لعائلة الأسيرة فرج الله بزيارتها للمرة الأولى في الخامس من إبريل المقبل، "لا أستطيع تخيل رمضان بدونها، ولا أطيق احتمالية أنْ يتم الحكم عليها بعشر سنوات كما يتوقع المحامون، فبهذا لن يعود رمضان ولا أيامنا كلها لما قبل".

يواصل الاحتلال الإسرائيليّ اعتقال (10) أمّهات، وهنّ من بين (32) أسيرة يقبعنّ في سجن "الدامون"، منهن: الأسيرتان الناشطة النسوية والمجتمعية ختام السعافين من رام الله، محكومة بالسّجن لمدة (16) شهرًا، وهي أم لثلاثة أبناء، وسعدية فرج الله من بلدة أذنا بمحافظة الخليل، موقوفة، وهي أكبر الأسيرات سنًّا وأم لثمانية أبناء، اعتقلها الاحتلال في تاريخ 18/12/2021.