هذا ما تحتاجه الضفة الغربية في هذه الفترة المهمة من محطات البناء الثوري والنسيج المقاوم؛ التي تعرضت لمجزرة التركيع والمشروع الخبيث المتمثل بالفلسطيني الجديد، حيث أن انعدام الجسور وتحطمها منذ عام ٢٠٠٣ اي بعد انتهاء انتفاضة القدس وغياب القرار السياسي المحرك للجماهير؛ أدى لأن تكون الساحة فارغة لمن يريد تنفيذ الأجندات الخاصة به.
اغتيالٌ للراحل الشهيد ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين والقيادات الوطنية من كل الفصائل الفلسطينية وتحطيم للمنظومة المجتمعية والسياسية والجماهيرية؛ ما انعكس على الميدان والمقاومة وجعل الأمور أكثر تعقيدا أمام لملمة الجراح وبناء المرحلة التي استغلتها الولايات المتحدة ونفذت أجندة التفريغ المجتمعي عبر كل البرامج التي استهدفت الشعب لهدمه.
تلت ذلك الانتخابات العامة البرلمانية الفلسطينية التي فازت في أغلبية مقاعد المجلس التشريعي فيها حركة حماس وباشرت فورا قوى الغرب وأقطاب فلسطينية والاحتلال لتقويض التجربة والانقلاب عليها بمقاطعة شاملة وحصار وخنق للناس وقطع للرواتب، حتى دخل الشارع الفلسطيني في محطة خطيرة تهدد المصدر الرئيس للمقاومة وهو الحاضنة والنسيج الشعبي؛ فنجحت أمريكا من خلال الفوضى الخلاقة والمال السياسي في تعزيز الانقسام وتغذية الفتنة.
ولكن لملمة الجراح كانت سريعة جدا في غزة حيث البنادق والصواريخ؛ المقاومة تعززت والمعارك توسعت ضد الاحتلال والغرفة المشتركة والتنسيق الوطني تعزز، بينما سقطت الضفة في أنياب الاستيطان والمخططات الاقتصادية الخبيثة وخطط أمنية وإعلامية لتشويه المقاومة وتفكيكها وجعل الضفة لقمة سائغة للاحتلال ومستوطنيه الذين أحرقوا الأطفال في أسرّتهم والمنابر في المساجد في قلب الضفة المنزوعة من سلاح المقاومة.
جاءت الأحداث متتالية بعد الثقة التي عززتها سيف القدس والمقاومة في غزة بالأثر الإيجابي على منظومة البناء المقاوم في الضفة تركزت في بلاطة والبلدة القديمة في نابلس ومخيم جنين، الأمر الذي تصاعد بعد أن تحولت المقاومة الدفاعية إلى الهجومية كما حدث مؤخرا من عمليات نوعية داخل الكيان.
والآن في ظل الاستعدادات الإسرائيلية وارتباطات التنسيق الأمني ومحاولة وأد الفكرة والتجربة بات لزاما إنشاء الغرفة السياسية المشتركة التي تجعل الشارع يتحرك ضمن قرار مدروس وليس عفويا، لتكون هذه الغرفة عنوان المرحلة ونشاطها وتوسع جغرافية المقاومة وحمايتها وتعزيز جبهتها الداخلية وبنيتها وحاضنتها.
الغرفة السياسية في ظل عودة الحياة لجسور الثقة بين الشعب والفصائل أمر مهم جدا ومطلوب حتى يكون البرنامج التحرري مدروسا لا توقفه أحداث أو أمزجة.
هذه الغرفة ستقطع الطريق على راكبي الموج لإجهاض الشعب وعلى الاحتلال الذي يحاول الاستفراد في جنين؛ وستبني فكرة التحرر المرتبط بالمقاومة المنتظمة في غزة وستعيد اللحمة الجغرافية وتكون المقصد الأساسي لكل فعاليات الشارع ونقاباته وستبنى عليها ثورة تحرير ممنهجة لا توقفها عقبات التطبيع أو حرف البوصلة أو الفتنة والتسويف.
ضرورة ملحة بعد الإنجاز الفردي الكبير الذي حققه الشباب الفلسطيني وصفع المنظومة الأمنية التي استطاعت خلال سنوات سابقة تدمير بنية الفصائل العسكرية والتنظيمية في الضفة الغربية.
ويبقى الباب مفتوحا أمام قيادات الفصائل الفلسطينية لتصحيح المسار في الضفة الغربية بعد الوعكات المتتالية التي ألمت بقواعدهم التنظيمية وإنجازاتهم الوطنية التي أثرت مباشرة على الوعي العام والعقل الجمعي للشارع الفلسطيني الذي تعرض لهزات كثيرة لمحاولة محو ذاكرته وحرمانه من تفعيل قدراته.