يأتي رمضان ويعيد الألق للمسرح المقدسي، ومعه تتكاثف العروض المسرحية التي تتخذ أشكالًا عدة تجوب البلدة القديمة، والأحياء كافة، تعيد لها الروح التي يُطفئها الاحتلال الإسرائيلي بإجراءاته التعسُّفية بحقّ أهلها وزوارها على مدار أشهر السنة.
يستعيد المسرح المقدسي نشاطه بتقديم عروض مسرحية تتعلّق بروحانيّات الشهر الفضيل بطريقة كوميدية تدخل قلوب الأطفال، وبسرد الحكايات على لسان حكواتي القدس الذي يجذب عقول الكبار، ويُغذّون الروح بالمدائح النبوية، والابتهالات الدينية.
أمسيات وحكواتي
مدير مركز سنابل القدس أحمد أبو سلعوم فنان مسرحي منذ 50 عامًا يقدم عروضًا مسرحية للجمهور على خشبة المسرح، والتلفاز أيضًا.
يقول أبو سلعوم لـ"فلسطين": "تتخذ الحركة المسرحية أشكالًا عدة تتناسب مع شهر رمضان، حيث نُركّز على الأمسيات الرمضانية التي تشمل التهاليل، والمدائح، والسحور، والحواية، والأغاني التراثية والوطنية التي يغلب عليها الطابع الرمضاني".
ويتابع: "وتجوب شوارع القدس مسيرات لأشخاص يدقُّون الطبول، والدفوف، وشباب الكشافة، ويقدمون عروضًا قبل الإفطار".
ويلعب أبو سلعوم دور الحكواتي منذ سنوات طويلة، بطربوشه المخملي الأحمر، وقمبازه التقليدي، يجلس على كرسيه الخشبي في أزقة البلدة القديمة، يروي حكاياته وقصصه القديمة بطابع مستحدث، يتناول فيها مواضيع اجتماعية، وسياسية ناقدة، ولديه قدرة عجيبة على جذب الكبار، والصغار حوله.
ويشير إلى أنّ فرقته قدمت عرضين في منطقة رأس العامود، وتعتمد على مشاركة الجمهور في أنشطتها وجعلهم جزءًا من الحدث.
ويلفت أبو سلعوم إلى أن يقدم مسابقات وجوائز لها علاقة بالشهر الفضيل، ليس بهدف الكسب، بل لتكريس المعرفة والفهم في الذهن البشري، مع تحقيق المتعة والتسلية.
وعادة يبدأ مع فرقته عروضهم قبل الإفطار بساعة، ومن ثمّ يشاركون الجمهور وجبة الإفطار، ومن ثمّ يكملون أمسيتهم حتى أذان العشاء، لكي ينصرف الناس لأداء صلاة التراويح في الأقصى.
ومن العراقيل التي تواجه أبو سلعوم، يلفت إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يمنع منح تراخيص للفرق المسرحية في القدس لكي تقدم عروضها على أبواب المسجد الأقصى، منعًا لتجمهر أعداد كبيرة من الناس.
مسرح للأطفال
وتقدم فرقة نخلة شبر المقدسية، عروضها المسرحية في المدارس المنتشرة في أحياء القدس، على مدار أيام الشهر الفضيل، ويغلب عليها الطابع الكوميدي.
مؤسس الفرقة يعقوب أبو عرفة ومبتكر شخصية نخلة شبر، يبرع في مسرح الظل، والدمى أيضًا، ويكثف عروضه في شهر رمضان.
ويقول أبو عرفة لـ"فلسطين": "أساس مسرحنا يعتمد على الكوميديا والمرح، ونحافظ على تراثنا في نفس الوقت، نقدم الألعاب الشعبية، والفلكلورية، ونتناول الموروث الشعبي القديم المرتبط بالشهر الفضيل".
ويضيف: "الذي لا ماضي له لا حاضر له، والذي لا حاضر له ليس له مستقبل، لذا في مسرحياتي أحدثهم عن الموروث الثقافي القديم الذي عاشه آباءهم وأجدادهم، لكي يحافظوا عليه".
وحاليًا يقدم أبو عرفة مع فرقته مسرحية "احنا التلاتة سوا" وتحكي عن أبواب القدس على لسان ثلاث شخصيات مسرحية بدمى خيال الظل، ويعرجون على تاريخ البلدة القديمة، ولها سلسلة عروض تركز على المدينة المقدسة.
ويشير إلى أن الشخوص في مسرحياته تحمل اسمَي محمد، وجورج، وفيها دلالة على خصوصية النسيج المجتمعي للقدس بين المسلمين والمسيحيين، وضرورة المحافظة عليه.
وفي مسرحية "نايلونا نايلونا" التي يقدمها للأطفال بمسرح الظل في رمضان يتطرق أبو عرفة إلى المحافظة على البيئة ونظافتها، وعدم هدر الطعام في هذا الشهر بقالب فكاهي، وحث الأطفال على المشاركة وليس الاكتفاء بكونهم متلقين.
ولا يستطيع أبو عرفة تقديم عروضه المسرحية داخل البلدة القديمة وساحاتها، بسبب العقبات التي يفرضها الاحتلال عند منح التصاريح، لذا يتجه نحو المدارس كمكان آمن للأطفال.
ويشدد على احتياج المقدسيين الشديد للمسرح، بفعل الضغوط النفسية التي يتعرضون لها يوميًا من اعتقالات، وتهجير، وهدم للبيوت، والغلاء المعيشي، وفرض الضرائب.
ويبقى المسرح هو متنفس المقدسيين الذين يلجؤون إليه في رمضان، بعيدا عن الانتهاكات الإسرائيلية والاعتداءات اليومية التي تمارس بحقهم.