مدينة جنين ومخيمها يتقدمان المشهد، والمقاومة الباسلة بكل أطيافها الحيّة موحدة اليوم لا تنحني تواجه تغول العدو وتصُدهُ وتثخِنُ جراحه، إنها جنين التي عودتنا على المرابطة والصمود والانتصار.
ومخيم جنين الذي لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد أضحى مركزاً للكون، يقدم أنموذجاً لشرف الأمة وعنواناً لمجدها ومستقبل تحررها الذي يبنيه المجاهدون مدماكاً وراء آخر.
وابن المخيم الفارس الشهيد رعد حازم -والذي له من اسمه نصيب- يَجتاح (تل أبيب) فتهتز أركانها ويهرب المستوطنون مذعورين كالجرذان ويقف الكيان الاستيطاني على قدم واحدة ووجهه إلى الحائط وقد حشد أكثر من 4 آلاف جندي وشرطي وما يسميه وحدات "النخبة" بكل مُسمياتها لمواجهة ليث ارتعدت بِحَزْمِهِ الثوري جنبات المدينة المحتلة، وقد حررها البطل لأكثر من 9 ساعات.
رعد يُكمل المسيرة من بئر السبع إلى الخضيرة وبني براك حتى تل أبيب، والقادم أعم وأعظم.
هكذا تبدع المقاومة وترد في هذا الشهر المبارك لتكون أيامه مواقع نزال وعز لا تُدركه إلاّ الشعوب التي قررت النصر والمقاومة وآثرت الشهادة ذوداً عن أرض باركها الله فاستحقت كل التضحيات ووضعت العدو في الزاوية وقد أوصلت بلاغها المُبين بأن الشعب الفلسطيني لم يزل على العهد وأنه سيلفظ المتخابرين وسُعار التدنيس للمقدسات، وأسوار العزل والحصار والعدوانات والدمار.
الشعب الفلسطيني كله يخرج اليوم، وأنموذجه مخيم جنين، ليقول إنه حي ويقاوم منذ أكثر من قرن، وأنه لن يُغمد سيفه حتى إنجاز ظفره الموعود.
ولقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في تعليق لها على الحالة التي تعيشها قيادة العدو اليوم بأن جيش الاحتلال محاصرٌ بين نارين، فإن أغفل رسائل جنين فإن الحالة ستنتشر كاللهب في الهشيم لتعم كل القدس والضفة الفلسطينية المحتلة، وأن نذر ذلك تطغى على المشهد برمته وتذهب نحو انتفاضة عارمة متقدمة بتفاصيل ملامحها عن الانتفاضات السابقة وقد بَلغ السيل الزبى، أما إذا حاول جيش الخيبات تكرار حماقاته وجَرَّبَ كما يُهدد هذه الأيام الدخول إلى عُش الدبابير بـ "سور واقٍ" جديد فسينقلب السحر على الساحر وسيقاتل رجال المخيم ومعهم كل الشعب في مدينة جينينغراد وكل الأهل في ضفة يعبد القسام الذين تنادوا لنصرة المخيم الثائر حين جرب السيد فشل نفتالي بينيت باقتحام المخيم وقد هدد والد الشهيد البطل رعد بتسليم نفسه وأبنائه وكان رده مزلزلاً برفض ذلك قطعاً، وأنه سلم أمره لله وهو يعلم يقيناً أن الله ناصر المظلومين وأن الشعب يقف سداً منيعاً أمام أعداء الله، وأن تهديدات العدو باجتياح المخيم سترتد إلى نحره، ولم يخب ظنه ولن يخيب أبداً وقد رد لتوه أبو معاذ الناطق العسكري باسم "كتيبة جنين" حين أعلن رفع جاهزية فرسان الكتيبة لينتشر مجاهدوها على تخوم وأزقة المخيم الذي خَبرَ معارك عام 2002 وقد مَرّغ أنف نازيي نخبته في ألوية المشاة وأرتال دباباته في الوحل.
كما تنادت فصائل المقاومة لإسناد جنين بالرجال والسلاح في الوقت الذي صدحت فيه مكبرات الصوت في المساجد معلنة وقوف المخيم كتفاً إلى كتف لنُصرة هؤلاء الأبطال.
لقد وصلت الرسالة، وتيقن أبو رعد حين تنادت كل مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس وقطاع غزة والداخل المحتل من الوطن فلسطين، بأن جنين مخيماً ومدينة ومحافظة وكل الوطن موحدة اليوم وستبقى الحضن الدافئ الذي يمد ساحات المعارك بالعزم والرجال وقلعة شامخة تنكسر على أعتابها هجمات برابرة العصر.
إنها قصة جنين منذ فجر الكفاح الوطني الفلسطيني، هذه المدينة التي احتضنت واحدة من الشرارات الأولى للثورة الشعبية المسلحة والتي لم تزل تتقد فصولاً يتوارثها الأبناء حتى أمست مُكَوّناً جينيا أصيلاً لمعين يتجذّر دماً زكياً عَطِراً، وقد اختار الله أحراش الطرم في يعبد لتكون مُلْهِماً وسفراً خالداً للزائرين لينهلوا من عبق الشهداء العظام ما يقيهم من غائلة مجرمي الحرب الصهاينة والقتلة المتخابرين المأجورين.
ولن ينسى الناس شهداءهم، وشيخهم المقاوم ابن جبلة المجد ورفاقه التسعة الذين قاتلوا وصمدوا في مواجهة المستعمر البريطاني رغم جبروت عُدَّته وعديده نهاراً بطوله حتى عانق القسام التراب الطهور الذي أحب ومَعَهُ ثلاثة من رجاله البواسل الميامين وقد تم أسر بقية الأبطال بعد أن نفدت ذخائرهم.
ومدينة جنين جارة حيفا المُطلة على كتف البحر المتوسط والمدينة التي لجأ إليها شيخنا الجليل عز الدين القسام المطارد والمحكوم بالإعدام من قبل الجيش الفرنسي الذي احتل سوريا بعد الاتفاق الكارثي لـ "سايكس بيكو" عام 1916، فقد حباها الله بفَيْضٍ من أشجار البلوط والصنوبر وعديد الكهوف التي شكلت ولم تزل ملجأً وستْراً للمجاهدين الذين يضعون أرواحهم على الأكف وقد نذروا النفس والدم مدراراً يروي الأرض العطشى للخلاص فينقشع اليباس لتنبت شقائق النعمان حمراء قانية ويولَدُ الرجال من أرحام خصبة معطاءة لنارنا الدائمة تحمل بشائر الغد الموعود والظفر الحتمي الذي يعلن اقترابه أولئك المنتشرون في كل مكان من الوطن.
هروب ورعب وهستيريا، هي التي تتجول الآن حيث هناك مستوطنون صهاينة رغم كل دموية المشهد الذي يفرضه ساديو قطعان جيش الاحتلال الذي يُدَمْدِمُ وزيره بأنه أعطى تعليماته بأنه لا توجد قيود لاستخدام كل القوة ضد الشعب الفلسطيني!
رد فعل يشي بمستوى ما وصلت إليه أوصالهم المُرتعدة، والتي يعبر عنها صراحة رئيس وزراء كيان المستوطنة نفتالي بينيت حين يُطالبُ المستوطنين القابعين مُقدماً في غرفهم المُحصنة أن "اخرجوا بسلاحكم"، وهو يُقِرُّ أن جيشه وشرطته وأجهزته الأمنية لم تعد قادرة على حمايتهم، وأنه أصبح لزاماً على كل واحد منهم الدفاع عن أمنِه الشخصي في المطاعم والمحال ودور السينما والمسارح، بل ويكشف على نحو سافر حقيقة أن هناك عصابات شكلت جيشاً هو ما يَدّعون أنه دولة وفي الواقع أنه كيان من الميليشيا المسلحة تنتفي فيه دعاوى الاعتداء على مدنيين عزل!