فلسطين أون لاين

سيناريوهات الاحتلال للتعامل مع تصاعد المقاومة في جنين

حالة الفشل غير المسبوق في منظومة الأمن الإسرائيلي والتي وصلت ذروتها بعد نجاح فدائيين فلسطينيين بتنفيذ أربعة عمليات فدائية متفرقة خلال الأيام الأخيرة في بئر السبع، والخضيرة، وبني براك، وشارع ديزنغوف وسط تل أبيب والتي أسفرت عن مقتل أربعة عشر صهيونيًا، والتي تركت شرخًا كبيرًا في شعور أفراد المجتمع الصهيوني بالأمن الشخصي، وأحدثت هزة عميقة لدى الجمهور الصهيوني بمدى قدرة جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الاسرائيلية على توفير الأمن في عمق كيان الاحتلال.

نجاح العمليات الفدائية عزز قناعة الاحتلال بفشل جدار الفصل العنصري في توفير الأمن للصهاينة، والحد من قدرات المقاومة الفلسطينية على اختراق جدار الفصل والوصول بسهولة ويُسر إلى عمق الكيان الصهيوني، ما دفع حكومة الاحتلال إلى المصادقة بالإجماع على تخصيص 112 مليون دولار أمريكي لبناء أربعين كيلو متر من الجدار الفصل العنصري إضافة إلى جدار الفصل الذي أقامه كيان الاحتلال عام 2002 على خط التماس بين الضفة وكيان الاحتلال.

تحاول حكومة الاحتلال جاهدة إلى نقل المواجهة الميدانية المتصاعدة مع المقاومة الفلسطينية من شوارع تل أبيب والخضيرة وبئر السبع في الداخل المحتل إلى مدن الضفة المحتلة، حيث أعلن نفتالي بينيت رئيس حكومة الاحتلال وخلال مؤتمر صحفي بعد عملية ديزينغوف بمشاركة وزيري الجيش والأمن الداخلي الصهيونيين بأن حكومته "تتيح حرية العمل الكاملة للجيش، ولكافة الأجهزة الأمنية في سبيل القضاء على الإرهاب" مؤكدًا أنه "لا توجد ولن تكون هناك أي قيود في هذه الحرب"، في إشارة واضحة للضغوطات التي تتعرض لها حكومة الاحتلال، وبحثها عن أية صورة للانتصار لتقديمها لجمهور الاحتلال الذي بات فاقدًا للثقة فيها، ما دعا زعيم المعارضة الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى استغلال الأحداث والتصريح خلال مظاهرة للمعارضة طالبت برحيل حكومة بينيت بأن حكومته "ضعيفة، وتضر بالهوية اليهودية للدولة".

جيش الاحتلال والذي تأكد للجميع فشله في استئصال المقاومة الفلسطينية، والحد من أنشطتها العسكرية في الضفة المحتلة فرض عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين في شمال الضفة المحتلة بذريعة أن منفذي عمليات بيني براك وشارع ديزينغوف الشهيدين ضياء حمارشة ورعد حازم انطلقا من محافظة جنين شمالي الضفة المحتلة، حيث أصدر وزير جيش الاحتلال بيني غانتس رزمة قرارات تستهدف الفلسطينيين، من بينها منع تجار جنين من الدخول إلى المناطق المحتلة عام ثمانية وأربعين، وحرمان أهالي جنين من لقاء ذويهم على جانبي الخط الأخضر، ومنع فلسطينيي الداخل من المرور عبر حواجز الجلمة وريحان العسكرية قرب جنين، فيما شن جيش الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في جنين طالت مائة فلسطيني تتراوح أعمارهم ما بين (18-35) ما رفع عدد معتقلي جنين منذ بداءة العام إلى مئتي فلسطيني بحسب بيان صحفي نشره قبل أيام نادي الأسير الفلسطيني.

   

كما صعّد الاحتلال من سياسة الإعدام الميداني للفلسطينيين في الضفة المحتلة، حيث قتل بدم بارد وخلال ساعات معدودة أربعة فلسطينيين في الضفة، من بينهم فتاة وأرملة فلسطينية هي أم لستة أطفال، ليصل تعداد الشهداء الذين قتلهم الاحتلال منذ مطلع العام إلى اثنين وثلاثين شهيداً فلسطينيًّا بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، كما حاول اغتيال والدة وشقيق الشهيد رعد حازم منفذ عملية شارع ديزينغوف في تل أبيب.

في ظل تصاعد حالة التوتر الميداني في الضفة المحتلة، ونجاح المقاومة في تنفيذ عمليات ناجحة في العمق الصهيوني، تصاعدت الأصوات في كيان الاحتلال بالمطالبة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة ومخيم جنين على غرار عملية اجتياح الضفة قبل عشرين عامًا، والتي يرى الخبير العسكري الصهيوني "رون بن يشاي" بأنها "أصبحت جيبًا مليئًا بالأسلحة والذخيرة، وفقدت السلطة الفلسطينية السيطرة عليها، وأنها أصبحت أرضية خصبة للمسلحين من جميع المنظمات".

واليوم ومع تصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال في محافظة جنين، وفقدان السلطة الفلسطينية التي تتعاون مع الاحتلال السيطرة على مخيمها، وتواجد عشرات المسلحين الفلسطينيين المعارضين للسلطة الفلسطينية ومن مختلف التنظيمات في مخيم جنين، تبقى الظروف مهيأة لمزيد من التصعيد الميداني، وتنحصر قدرات الاحتلال للتعامل مع هذه الحالة في السناريوهات التالية:

السيناريو الأول هو إطلاق عملية عسكرية موسعة لاجتياح مدينة ومخيم جنين، ويدعم هذا السيناريو حالة الضغط التي تعيشها حكومة بينيت، ومحاولات المعارضة إظهارها بالحكومة الضعيفة الفاقدة للسيطرة على الأوضاع، وحاجتها لصورة نصر تقدمه لجمهور الاحتلال، لكن تنفيذ مثل تلك العملية يواجه العديد من التحديات، أولاها هشاشة ائتلاف حكومة بينيت بعد انسحاب عضو الكنيست "عوديت سيلمان" من الائتلاف، وانشغال العالم بالملف الأوكراني وعدم رغبة الولايات المتحدة بإشعال بؤرة قد تُضعف التركيز الإعلامي على أوكرانيا، إضافة إلى هواجس الاحتلال من مقتل عدد كبير من جنود الاحتلال في ظل صلابة وكثافة أعداد المقاومين المتواجدين في جنين، ومخاوف الاحتلال من تدحرج الأوضاع لتشمل باقي مدن الضفة، بما يؤدي إلى انهيار السلطة التي تعيش حالة من الضعف المالي، وفقدان السيطرة الميدانية، وانسداد الأفق السياسي، وهي مؤشرات نجد صداها في استطلاعات الرأي العديدة التي تؤكد فقدان السلطة للحاضنة الشعبية والتأييد الجماهيري، كما أن أكثر هواجس الاحتلال هو دخول المقاومة الفلسطينية في غزة على خط المواجهة دفاعًا عن جنين، ما يعني عمليًا اشتعال مواجهة عسكرية قد تطال جميع المدن الفلسطينية المحتلة، وهي مواجهة لن تستطيع حكومة بينيت دفع أثمانها في هذه المرحلة بكل تأكيد.

السيناريو الثاني والذي نرى أنه الأكثر حضورًا هو محاولة حكومة الاحتلال احتواء الأحداث، من خلال تنفيذ عمليات موضعية ضد المقاومة في جنين، قد تكون عملية اغتيال، أو اعتقال مقاومين فلسطينيين، ويدعم هذا السيناريو رغبة حكومة بينت في تخفيف حالة الضغط السياسي والإعلامي التي تتعرض لها من المعارضة، وإدراكها عدم قدرتها حاليًّا للذهاب نحو مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين، وحرصها على عدم إلغاء التسهيلات الاقتصادية التي قدمتها مؤخرًا لسكان الضفة، ويعزز هذا السيناريو أيضًا متانة التنسيق الأمني وتوفير أجهزة السلطة المعلومات الأمنية والإسناد الميداني لمساعدة جيش الاحتلال على القيام بعمليات اغتيال أو اعتقال لمقاومين معارضين لنهجها في جنين، وخوف السلطة من تمدد الحالة العسكرية في جنين لتشمل باقي مدن الضفة المحتلة، لكن المشكلة الأكبر أمام هذا السيناريو أنها لا يقدم حلولًا كاملة لمعضلة جنين، خاصة مع سخونة الإنذارات بوجود عمليات فدائية أخرى في المستقبل القريب، ما يضع حكومة الاحتلال في موقف لا تُحسد عليه حال نجحت المقاومة بتنفيذ عملية أخرى في عمق الأراضي المحتلة وكان المنفذ من مدن الضفة الأخرى البعيدة عن جنين، كما أن عودة الاحتلال لتنفيذ عمليات الاغتيال سيؤدي بالضرورة إلى تعزيز الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة المحتلة، وهو أمر يحرص الاحتلال على عدم حدوثه.

ختامًا فإن استمرار التوتر الميداني في الضفة المحتلة على ما هو عليه اليوم دون قدرة الاحتلال على معالجة الملف الأمني في جنين يعني عمليًّا استمرار تصاعد المقاومة، وانتقال حالة جنين إلى مدن أخرى في الضفة، وهي هواجس مرعبة بالنسبة إلى الاحتلال الصهيوني.