عضو الكنيست عاميحاي شيكل بدأ انسحابه من الائتلاف الحكومي الهش لبينيت - لابيد، وقد لحقت به أيضاً عضو الكنيست الثانية عيديت سيلمان من حزب "يمينا"، وهذا يعني أن عدد أعضاء الائتلاف في الكنيست الصهيوني قد انحسر إلى 60 عضواً بما سيُعَطِلُ قدرات الائتلاف الحاكم من المصادقة على ميزانية الكيان، وتشريع أي قوانين وخاصة تلك القوانين الأساسية.
إن جوهر حالة الجمود الحالية سَتُعيدنا إلى ذات الأوضاع التي مرت بها الحكومات السابقة، تلك التي سَتَشُلُ قدرات الحكومة عن العمل السياسي برمته.
بالطبع فإن أكثر المستفيدين من حالة فقدان التوازن الحكومي الراهنة، هو زعيم المعارضة رئيس وزراء دولة العدو المنصرف بنيامين نتنياهو، الذي أحسّ بفرح غامر وكانت تلك الاستقالات بالنسبة له طوق نجاة وقد تخرجه من دوامات قضايا الفساد والرشوة التي أوصلته إلى قاعات المحاكم، بل وأخرجته قبلها من سدة الحكم وقد نُعِت بأنه رئيس الوزراء المزمن لخمسة عشر عاماً، وأقوى الضعفاء وقد عَصَفت به سقطات نجلاء على كل الصعد الأمنية العسكرية والاقتصادية ونماذج فشل غير مسبوقة ذهبت بالكيان إلى انتخابات تشريعية أربع مرات خلال سنتين، وها قد جاءت فرصته "التاريخية" النادرة ليعلن "خطاب النصر"، لترميم صورته الرثة المتهالكة، بل ليبدأ أمل العودة إلى "عرين الحكم" في كيان وصفه الكثيرون من الخبراء بالدولة الفاشلة!
وكانت باكورة أنشطته تلك التظاهرة الصاخبة التي قاد خلالها أنصاره من اليمين المتطرف، ومن المستوطنين وأعضاء كنيست في مدينة القدس المحتلة مُستخدمين يافطة تدهور الأوضاع الأمنية، والفشل الذريع الذي مُنيت به حكومة بينيت - لابيد بعد تسونامي عمليات المقاومة الباسلة الأخيرة في بئر السبع والخضيرة وبني براك المحتلة وتل أبيب.
لقد استحث نتنياهو في تلك المناسبة التي عدها فرصته السانحة أقطاب المعسكر القومي الصهيوني وحتى أعضاء الائتلاف الحكومي لأحزاب اليمين إلى العودة إلى حصنهم الأيديولوجي الطبيعي وقد قال، "ضعوا كل رواسب الماضي جانباً"، وعودوا إلى معسكركم القومي، فأبوابنا مفتوحة لكل من انتخب بأصوات اليمين، لإعادة دولة (إسرائيل) إلى مسارها القيمي القوي، مسار الانتصار. حتى أن هناك استطلاعات للرأي أشارت إلى أن هناك 60% إلى 70% من المستوطنين الصهاينة في فلسطين المحتلة ينعتون الحكومة بالضعف وفقدان القدرة على مواجهة التهديدات الأمنية الجارية وأنهم غير راضين عن أدائها، ومن بين هؤلاء من الذين عُرفوا بأنهم من المؤيدين لحكومة بينيت وقد صوتوا لصالحها في انتخابات الكنيست الأخيرة. وواضح أن حكومة بينيت تلهث الآن لإخماد النيران التي تندلع على جبهات عدة لاستعادة شعور المستوطنين بالأمن ووقف هذا التداعي المتسارع والذي قد يُطيح بالحكومة ويمهد الطريق لانتخابات برلمانية خامسة جديدة.
اجتماعات الحكومة الماراثونية تتواصل بوتائر غير معتادة، والتصريحات الصحفية تتوالى دون توقف لرأب صدع هنا، وجَسر هوة هُناك، بل ويعلن وزير الجيش بني غانتس الاستنفار بين جنوده، ودفعهم بالآلاف إلى كل أرجاء القدس والضفة الفلسطينية المحتلتين وإلى تل أبيب والمدن ذات الأغلبية الفلسطينية وتلك المُختلطة و إلى الميادين العامة في كل مكان، إلى جانب إعلان الطوارئ في جهاز الشرطة وكل الأجهزة الأمنية، سُعار ينتشر في كل مكان مركزه تسخين الروح العنصرية المتطرفة بما يُوَلدّ ضغوطاً إضافيةً على ائتلاف تتقاذفه أمواج الخلافات بل وتضارب مصالح لا حصر لها وبشكل خاص بعد زلزال ديزينغوف، كما أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن نتائج الانتخابات التي قد تُجرى ستكون متقاربة مع نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست الصهيوني . ورغم أن تلك النتائج تظهر أن حزب الليكود سيحرز سبق الفوز، فإن نتنياهو لن يتمكن أيضاً من تشكيل حكومة جديدة، في الوقت الذي لن يتمكن فيه المعسكر المقابل من ذلك أيضاً، وهكذا تعود الأمور في الكيان الاستيطاني المحتل إلى المربع الأول مرة أخرى. ولكن رغم كل ما تقدم فإن جميع السيناريوهات لم تزل ممكنة، بتشكيل حكومة جديدة برئاسة نتنياهو، أو باستمرار ولاية حكومة بينيت - لابيد المشلولة وغير القادرة على أداء مهامها الجوهرية، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة، علماً أن حل الكنيست وإسقاط الحكومة يحتاج إلى 61 عضو كنيست على الأقل، وكذلك تشكيل حكومة جديدة يحتاج إلى ذات النسبة أيضاً.
عديدة هي العوامل التي أوصلت الأوضاع في الكيان الاستيطاني الزائد إلى ما هو عليه الآن، وما يواجهه بينيت اليوم ليس إلا الإرث الذي خلفه له سلفه بنيامين نتنياهو وأصل المعضلة فعلياً يكمن في زرع هذا العضو الغريب والنشاز في جسد لا يَمت له بِصِلَة، يرفضه وسَيَلفظهُ وَهو الزَرع الشيطاني المكلف بدور وظيفي معادٍ للمكان وجاء في زمن مخالف لنواميس العقل وهو يعيش اليوم مراحل العد التنازلي مهما حقنوا من مواد كابتة للمناعة.
كل ذلك موضوعي ويراه الأعمى رغم تلك الغلالة التي تُرجعها العُضوة المستقيلة من حزب "يمينا" عيديت سيلمان إلى خلافات أيديولوجية مع شركائها في الحكومة من أحزاب اليسار الصهيوني، إلى جانب عضو الائتلاف الحكومي في "القائمة العربية المشتركة".
ولا شك أن هذا واقعي وصائب، ولكنه واحد من أسباب عديدة لها فعلها المزلزل وراء استعصاء سياسي مُمتد يعصف بهذا الكيان قبل تشكيل "حزب يمينا". عضوة الكنيست عيديت وهي للطرافة رئيسة الائتلاف الحاكم تقول إنها ترفض أن تكون شريكة في ائتلاف يُلحقُ الضرر بالهوية اليهودية لـ(دولة إسرائيل) وأن المَسّ بجوهر الوجود اليهودي والقيم التي تمثله هو خط أحمر بالنسبة لها.
ووفق آخر ما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية عن مَكتبَيْ بينيت ولابيد فإنهما لا يتوقعان استمرار الحكومة وأن الانتخابات المُبكرة أكيدة.
ويعترف الكاتب الصهيوني عاموس هرئيل بقوله: "إن الأمن الشخصي للمواطنين قد تضعضع، وهذا التحدي لا يمكن مواجهته بحكومة بدأت بالعد التنازلي بعد أن فقدت أغلبيتها بالكنيست، لقد كانت استقالة عيديت سيلمان مدماكا يسقط في جدار ضعيف بدأ بالانهيار".