يتطلع تجار البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة إلى تحقيق موسم اقتصادي ناجح في شهر رمضان، إلاّ أن ضبابية المشهد الميداني والسياسي تلقي ظلالا من الشك على توقعاتهم هذا العام.
ويتوافد إلى شرقي القدس في رمضان، مئات آلاف المصلين من الضفة الغربية والمدن والبلدات الداخل الفلسطيني المحتل.
وفي طريقهم إلى المسجد الأقصى وأثناء خروجهم منه، يمر المصلون من أسواق المدينة القديمة وهو ما يرى فيه التجار فرصة ثمينة لتسويق بضائعهم.
كما يتسوق آلاف المصلين ويشترون وجبات الإفطار من أسواق البلدة، حال قرارهم البقاء في المسجد لأداء صلاة التراويح.
لكن تجار البلدة يقولون إن التقارير عن فرص اندلاع مواجهات في القدس واحتمالية تدهور الوضع الأمني خلال شهر رمضان، انعكست سلبا على أعمالهم.
وتوجه الأنظار إلى مدينة القدس في ظل مخاوف محلية ودولية من تجدد المواجهات على غرار ما جرى العام الماضي، لاسيما أن شهر رمضان يتزامن هذا العام مع أعياد يهودية، وسط استعداد آلاف المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى.
تطلع لموسم ناجح
يقول جمال أبو سنينة الذي يملك محلا تجاريا يقع قرب سوق خان الزيت بالبلدة: "جلبنا البضائع ونأمل من الله الخير".
ويضيف: "نفعل هذا في كل عام ولكن نأمل أن يكون هذا العام مختلفا" في إشارة إلى العام 2020 الذي أغلقت فيه أبواب الأقصى بسبب جائحة كورونا، والعام 2021 الذي شهد مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
ويشير أبو سنينة الذي يضم محله معدات زينة وأشغالا يدوية، إلى أن موسمه يعتمد على المصلين القادمين من الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل".
وامتنع التاجر الفلسطيني عن الحسم بشأن شكل الموسم الجاري في ظل التقارير عن مواجهات محتملة؛ إثر استفزازات المستوطنين واعتداءات عناصر قوات الاحتلال المسلحين.
لكنه يأمل أن تتوافد أعداد كبيرة من المصلين إلى المدينة ويعم الهدوء ويتحقق الخير لهم هذا العام.
صورة قاتمة
بالمقابل رسم عصام الزغير، التاجر في طريق الواد المؤدي إلى المسجد الأقصى، صورة قاتمة بعد إشارته إلى أن "القدس تحولت إلى مدينة أشباح".
ويقول الزغير: "استعداداتنا مبهمة نتيجة الأحداث التي تجري، فقد تحولت القدس إلى مدينة أشباح، ولا نعرف إلى أين تتجه الأمور؟".
ويضيف: "بالنسبة لنا ننتظر كل عام موسم رمضان، ولكن لا يوجد ما يرشح بأن الناس سيتمكنون من القدوم، نحن ندعو الشعب المسلم أن يتواجد في مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم".
وبحسب الزغير، فإن الأحداث في القدس تزداد صعوبة في ظل السياسات والقيود العنصرية المفروضة على المواطنين الفلسطينيين.
وتشترط سلطات الاحتلال على سكان الضفة الغربية الحصول على تصاريح حتى يتمكنوا من الوصول إلى القدس لأداء الصلاة.
ويشير الزغير أنه "حتى فلسطينيو الداخل، توقف قوات الاحتلال حافلاتهم أثناء قدومهم للقدس، ويخضعونهم للتفتيش ويعيدونهم أحيانا إلى مدنهم وقراهم".
ويتابع: "بالمقابل فإنه في الماضي كان المصلون يأتون بكثافة من كل مكان، فترى الأردني والمغربي ومن كل الدول الإسلامية والأجنبية".
ويعبر الزغير عن حزنه وهو يشير إلى الشارع الفارغ أمام محله التجاري، قائلا: "إذا ما نظرت ستجد مدينة أشباح، فعشية رمضان كانت المدينة تعج بالناس، أما الآن فهي مدينة فارغة وحزينة".
وضمن بضائع أخرى، يبيع الزغير فوانيس رمضان التي كانت تملأ محله بألوانها الزاهية وأحجامها المتعددة.
ويقول: "نتوارث ثقافة الفوانيس أباً عن جد، فقبل الكهرباء كان الناس يستخدمون القناديل في تنقلهم ليلا لتفقد بعضهم وزيارة الأهل بما في ذلك خلال شهر رمضان".
وينوه الزغير بأن رواج الفوانيس كان كبيرا في السنوات الماضية، عكس العام الحالي بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية، مشيرًا إلى أن شراء المواد التموينية للمنزل أهم من شراء فانوس بالنسبة للكثير من المواطنين.
وعلى مدى سنوات طويلة كانت أسواق القدس تعتمد بشكل كبير على سكان الضفة الغربية القادمين إلى القدس، ولكن مع فرض الإغلاق الإسرائيلي على المدينة مطلع التسعينيات، باتت تعتمد على سكانها ومن يتمكن من الوصول إليها.
في شهر رمضان تتجسد الحالة الفلسطينية في القدس حيث تسود الروحانيات ومعاني التكافل وممارسة شكل من أشكال السيادة الفلسطينية في حارات وأزقة البلدة القديمة التي تشع نورا بالحضور العربي والإسلامي رغم ظلال الاحتلال القاتمة.