فلسطين أون لاين

يفتقدون نفحات رمضان في باحاته

على بعد خطوات.. جيران للأقصى يحرمهم الإبعاد من الارتماء في أحضانه

...
عايدة الصيداوي (أرشيف)
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

ما إن يفرغ ناصر الهدمي من صلاة الظهر، يسير نحو باحات "المسجد الأقصى" ليستمتع بسماع أصوات المقرئين الندية، التي تدخله في جو روحاني عالٍ مع نفحات شهر رمضان الفضيل حيث لا ينقطع عن التواجد فيه ليلًا، ونهارًا.

اعتاد أن يؤدي صلاة العصر وفي طريقه إلى بيته حيث حي الصوانة بالقرب من سور القدس التاريخي، يبتاع الهدمي الحاجيات الضرورية من خبز، ومشروبات تزين مائدته الرمضانية، مع بعض الألعاب، والحلويات التي تدخل السعادة على قلوب أطفاله مكافأة لهم على صيامهم، كل تلك الطقوس سيفقدها هذا العام بسبب إبعاده عن الأقصى.

تقييد الحركة

يقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد الذي أبعد عن الأقصى ستة أشهر انتهت في مطلع فبراير/ شباط الماضي، وفي 25 منه مدد الاحتلال له قرار الإبعاد ستة أشهر أخرى: "بيتي يبعد عن سور القدس خمس دقائق، وعن محراب الأقصى 10 دقائق سيرًا على الأقدام، أراه من بعيد ولكن لا أستطيع الوصول إليه".

يضيف الهدمي لـ"فلسطين": "ولم يكتفوا بذلك بل تم تقييد حركتي في القسم الشرقي للقدس، ويمنع تواجدي فيها، لدي محل تجاري في وسط البلدة القديمة وممنوع من الوصول إليه، وهذا فيه تعدٍ على حريتي في الحركة، واضطراري إلى تغيير روتين حياتي حتى أستطيع خدمة أهل بيتي".

ومرافقته لزوجته وأبنائه لأداء صلاة التراويح، هي الطقس الرمضاني الأهم الذي سيفتقده الهدمي هذا العام، وسيضطرون إلى الذهاب بدونه، وسيكتفي هو بسماع أصوات الآذان، والأئمة من داخل جدران بيته حبيس حسرته.

الإفطار والعيد

وما ينكأ جراحه كل يوم، قرب بيته من موقف الباصات المحملة بفلسطيني الأراضي المحتلة عام 48م، حيث يمرون سيرًا على الأقدام متجهين نحو المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه، على حد وصفه.

وسيفتقد الأجواء الرمضانية التي تعود على فعلها يوميا، حيث كان يقصد أسواق البلدة القديمة ويبتاع المواد الغذائية لإعداد وجبة الإفطار، والخبز الطازج، والمشروبات أيضا.

وللإفطار في باحات الأقصى مذاق من نوع آخر، لن يناله الهدمي هذا العام، حيث كانت زوجته تعده ويحملونه معهم إلى المسجد لتناوله في باحاته، "وبجوارنا الكثير من العائلات المقدسية التي تجعل الإفطار في الأقصى روتينًا يوميًا".

ويتابع: "بخلاف الأجواء العائلية في المسجد، اعتدت أن أقيم مع أصدقائي إفطارًا جماعيًا في أيام رمضان أيضًا، ومن ثم نصلي صلاتي العشاء والتراويح وننصرف إلى بيوتنا".

سيفتقد الهدمي أيضًا صلاة عيد الفطر التي لن يحضرها برفقة أسرته، ولن يلتقي بالأصدقاء والأقارب ليتبادل التهاني معهم أيضًا، لأنه إن فعل ذلك سيكون مصيره السجن.

بيتها للزوار

ما بين الأقصى وبيتها دقيقتان من الزمن، تسمع عايدة الصيداوي الآذان يصدح من مآذن المسجد ولا تستطيع تلبية النداء بعدما أصدر الاحتلال الإسرائيلي قرارًا بإبعادها عنه قبيل شهر رمضان بأسابيع قليلة، بسبب منشور على صفحتها شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تدعو فيه أحرار العالم للدفاع عن الأقصى وشد الرحال إليه.

تسكن المرابطة المقدسية الصيداوي (60 عامًا) بالقرب من باب الحديد، أحد أبواب المسجد الأقصى، تنتظر شهر رمضان بفارغ الصبر تعيش في أرجائه النفحات الروحانية التي يفقدها الاحتلال لذتها طوال أشهر السنة.

ينتعش قلب الصيداوي مع انتعاش مدينتها القدس، ففي رمضان تزداد الحركة في البلدة القديمة، ويكثر زوار المسجد الأقصى من جميع أرجاء فلسطين.

تقول الصيداوي لـ"فلسطين": "أصلي الصلوات الخمس في الأقصى، بالإضافة إلى 20 ركعة لصلاة التراويح، وفي العشر الأواخر أعتكف داخل المسجد".

أثار حديثها عن الأقصى الشجون في قلبها، تساقطت الدموع من مقلتيها وهي تردد: "الأقصى هو كل حياتي، ملاذي وطريقي، هو سكينة القلب، سيحرمونني من تذوق حلاوة القرب منه".

تتزين شوارع القدس، والبلدة القديمة بالزينة الرمضانية، والأحبال المضيئة، لتستقبل ضيوفها في هذا الشهر، وتفتح بيوت سكانها لاستقبالهم.

تبين الصيداوي أن جميع بيوت البلدة القديمة رغم صغر مساحتها، إلا أنها تفتح على مدار الساعة لاستقبال زوار الأقصى.

الصلاة على أبوابه

اعتادت الصيداوي أن تصنع صينية المقلوبة، تحملها سيرًا على قدميها حتى تصل باحات الأقصى، تجلس بجوار العائلات التي تفترش الأرض تضع ما لذ وطاب من المأكولات الفلسطينية، تبحث بينهم عمن تشاركها وجبة الإفطار، غير أنها ستحرم هذا العام من فعل ذلك.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها إبعاد الصيداوي عن المسجد الأقصى، بل تضاف إلى عشرات المرات السابقة، بالإضافة إلى اعتقالها ثلاث مرات، تقول "هذا تكريم من الله، والله اصطفاني من بين نساء العالم لأن في خط الدفاع الأول عن الأقصى".

وتعتزم صيداوي ألا تبقى حبيسة جدران بيتها، بل ستتناول طعام الإفطار، وستصلي برفقة المبعدين والمبعدات في طريق المجاهدين، بالقرب من أبواب الأقصى، لأنها ممنوع من التجول في أروقة المسجد.

وتناشد كل إنسان حر شريف بالدفاع عن الأقصى فهو ليس للمقدسيين فقط بل لكل المسلمين حول العالم، وشد الرحال إليه.

هذا الحرمان الذي يعيشه الهدمي وصيداوي يشاركهم فيه 495 فلسطينيًا، وفق بيانات وثقتها مؤسسات فلسطينية أوضحت فيها أن معظم أوامر الأبعاد عن المسجد الأقصى.