فلسطين أون لاين

تقرير "الحبس المنزلي".. سياسة إسرائيلية لتدمير أطفال فلسطين

...
جنود الاحتلال يعتقلون وينكلون بطفل فلسطيني (أرشيف)
القدس المحتلة-غزة/ نور الدين صالح:

لم يجد الطفل أشرف كايد الرجبي (16 عامًا) أمامه سوى نافذة البيت سبيلًا لقضاء وقت فراغه، في محاولة للهروب من واقع الألم والمأساة الذي حلّ به بعدما عاقبته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بـ"الحبس المنزلي".

منذ 6 أشهر تتناوب دورة حياة الطفل "الرجبي" كلّ يومٍ كسابقه، فلا مُؤنس له سوى جدران منزله الذي أصبح على هيئة "زنزانة" يقضي فيها روتين الحياة القاتل، بعدما حكمت عليه محكمة إسرائيلية بـ"الحبس المنزلي" دون تحديد المُدة الزمنية، بتهمة مقاومة المستوطنين، حسبما يروي والده.

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الطفل "الرجبي" الذي يقطن في حيّ سلوان، بزعم مشاركته في الأحداث التي وقعت قرب المقبرة اليوسفية شرقي مدينة القدس المحتلة، وزجّته في سجونها 10 أيام ثم أفرجت عنه بشرط "الحبس المنزلي".

ما يزيد أوجاع والده أنه يشعر بتحوّله إلى سجّان لابنه، حين يضطرّ لمنعه من القيام بأيّ مهامٍ يعتقد أنها مُخالفة لشروط "الحبس المنزلي" خشية تعرُّضه لعقوباتٍ أكبر من جيش الاحتلال الظالم الذي يدوس قوانين حماية الأطفال تحت أقدامه.

"أنا ووالدته صِرنا كالسجانين لأشرف".. كلمات ثقيلة خرجت منه تُرافقها مشاعر الألم والحسرة على ما حلّ بنجله مع استمرار تنفيذ حُكم الحبس المنزلي منذ 6 أشهر.

ولفت إلى أنّ استمرار مكوث "أشرف" في البيت طيلة هذه الفترة أثّر سلبًا على حالته النفسية والاجتماعية وتحصيله الدراسي، عدا عن عدم قدرته على ممارسة هوايته المفضلة بلعب كرة القدم.

ويضيف أنّ "أشرف" من المتفوقين في تحصيله الدراسي لكنّ انقطاعه عن مدرسته طيلة تلك الفترة انعكس سلبًا عليه، مُشيرًا إلى أنّ الاحتلال سمح قبل 19 يومًا للطفل بالذهاب إلى المدرسة فقط.

ويُوضّح أنّ المدة التي سيقضيها "أشرف" في الحبس المنزلي غير معروفة، في حين حدّدت سلطات الاحتلال 28 أبريل/ نيسان الجاري موعدًا لمحاكمته.

انعكاسات نفسية

ووافق أمس 5 أبريل يوم الطفل الفلسطيني، إذ وجّه الرجبي رسالة في هذا اليوم لكلّ أحرار العالم ومؤسسات حقوق الإنسان بالضغط على الاحتلال للكفّ عن ممارساته العُنصرية ضدّ أطفال فلسطين، وإنهاء ظاهرة "الحبس المنزلي".

و"الحبس المنزلي" هو مكوث الطفل لفترات داخل منزله في عُهدة والديه، ما يُحوّل المنازل إلى زنازين، ويجعل من الآباء والأمهات سجّانين ومُراقبين على أبنائهم، إذ يُمنَعون من الخروج من البيت للعلاج أو الدراسة التزامًا بما أقرّته محكمة الاحتلال.

أما الطفل المقدسي علي قنيبي (14 عامًا) الذي يقطن في حيّ الشيخ جراح بمدينة القدس، كان له حكاية أخرى مع "الحبس المنزلي" الذي أمضى به قرابة 8 أشهر.

يروي راتب قنيبي والد الطفل "علي" أنّ سلطات الاحتلال حكمت على نجله بـ"الحبس المنزلي" بتهمة المشاركة في أحداث الشيخ جراح والاعتداء على مستوطنين في يوليو/ تموز 2021.

ويُوضّح أنّ الاحتلال أنهى هذه العقوبة عن "علي" مطلع مارس/ آذار الماضي، واصفًا إياها بـ"الفترة الصعبة" لما لها من انعكاساتٍ نفسية واجتماعية على الطفل.

يقول "كانت حالة علي صعبة، كونه كان محرومًا من اللعب مع أصدقائه والتنقُّل معهم كما أيّ أطفال العالم، حيث لم يكن منفذه سوى الوقوف على نافذة المنزل"، مُضيفًا "كنت ووالدته نُواسيه ونُخفّف عنه هذا الوجع والمُعاناة، فنحن لا نملك سوى هذا الأمر" عدا عن أن هذه السياسة أثّرت على تحصيله الدراسي.

ووصف سياسة "الحبس المنزلي" التي ينتهجُها الاحتلال بـ"المؤذية" للطفل وعائلته، داعيًا المنظمات الدولية وأحرار العالم إلى الضغط على الاحتلال لوقف جرائمه المتواصلة بحق الأطفال.

حرمان وانتهاك

وانتقد مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال عايد أبو قطيش سياسة "الحبس المنزلي" التي ينتهجها الاحتلال، كونها تحرمهم من ممارسة حقوقهم الخاصة.

وبيّن أبو قطيش في حديثه لصحيفة "فلسطين" أنّ هذه السياسة أحد أنماط العقوبة ضد الأطفال الفلسطينيين، مُوضّحا أنّ الأصل في الاعتقال المنزلي أن يكون لفترة قصيرة يتمتع خلالها الطفل بحقوقه كاملة، وليس كما يفعل الاحتلال.

وأكد أنّ هذه السياسة المُمثّلة بالشروط المُشدّدة التي يفرضها الاحتلال تنعكس سلبًا على الحالة النفسية للأطفال والأسرة بأكملها، مُعتبرًا إيّاها انتهاكًا للقوانين الدولية التي نصّت على حقوق الأطفال.

وبحسب أبو قطيش، فإنّ الحركة العالمية وثّقت إعدام الاحتلال 5 أطفال منذ مطلع العام الجاري، وارتقاء 78 طفلًا خلال العدوان الواسع على غزة في مايو/ أيار 2021.

ووثّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد 2018 طفلًا بنيران الاحتلال منذ عام 2000؛ أي مع بدء انتفاضة الأقصى حتى أبريل 2017.

وبيّنت أنّ 546 طفلًا استُشهدوا خلال عام 2014 معظمهم خلال العدوان على غزة.