لقد أكد القانون الدولي حقوق الإنسان، وشرائع السماء والأرض، حق الإنسان في الدفاع عن أرضه حين تحتل وعن حريته حين تنتهك بالحصار أو السجن.
هذا ما مارسته شعوب الدنيا التي تعرضت لهذا الظلم التاريخي، فدافعت عن أرضها وحريتها وقدمت التضحيات الجسام من أجل هذه الأهداف النبيلة المشروعة ووجدت تعاطفاً واسناداً حتى تمكنت من إنجاز الظفر والاستقلال.
والشعب الفلسطيني الذي بدأ كفاحه منذ أكثر من قرن في مواجهة الاحتلال البريطاني الغاشم ومن ثم بدء الاستيطان بكل ما رافقه من مجازر مارسته بكل دموية العصابات الصهيوينة قبل الإعلان عن هذا الكيان العنصري غير الشرعي، يتخطى اليوم عتبة المليون معتقل رجالاً ونساءً وأطفالاً وكبار السن في ملحمة لم تزل تستمر فصولاً حتى اليوم.
والأسرى الأبطال الذين يُصَعّدون اليوم كفاحهم في مواجهة جلّاديهم المحتلين الذين يغيبونهم خلف القضبان، قد نجحوا بلحمهم الحي وصدورهم العارية من تحويل باستيلات النازية الجديدة إلى قلاع كفاح لا يتوقف وصمود يرتجف لسطوته قطعان سجانيهم وهم المدججون بكل ما أنتجته العقول المظلمة لطغاة الأرض من أسلحة فتاكة غاشمة.
قضية الأسرى الأبطال، كانت ولم تزل تشغل وجدان الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله الحيّة المناضلة، بل تشكل أولوية وتضعها في مقدمة سلم أولوياتهم وتعد العُدة لخلاصهم الناجز والقريب.
كما أثبتت مسيرة الكفاح الفلسطيني أن تحرير هؤلاء الفرسان لا يتم إلا بالقوة التي اختبر العدو فعلها حين فرضت عليه المقاومة تحرير الآلاف من رفاق السلاح بأسر ضباطه وجنوده وإرغام قياداته المتغطرسة على الإذعان لإرادة المقاومين.
وقع ذلك منذ بدايات الكفاح الوطني حين قرر الشعب الفلسطيني الإمساك بناصية قضيته والولوج إلى الطريق الإجباري الأقصر والأقل كلفة وزمناً رغم أوجاعه وتضحياته وهو الكفاح المسلح طريقاً اختبرت نجاعته الحياة وذاقت من بعده شعوب الدنيا طعم الكرامة والانعتاق.
ولقد أكدت فصائل المقاومة، أنها لن تسمح للعدو بالاستفراد بالأبناء الأعز لشعبنا الفلسطيني وأنها تتابع قضيتهم عن كثب، فهم قضية الوطن وشهود تاريخه الأحياء، وهي تتابع ملامح وتفاصيل معاركهم الجارية اليوم تلك التي تصاعدت حدتها ووصلت ذروتها مع أحداث "نفق الحرية" ورجال سجن جلبوع الستة الذين مَرّغوا أنف العدو في الوحل وردود الفعل الهمجية لسوائب حراس المعتقلات الصهاينة. بل ووعدت تلك الفصائل بصفقة تبادل مشرفة لـ "وفاء الأحرار2" وبأنها سوف تزيد "الغلة"، وستكرر عمليات التبادل حتى إطلاق سراح آخر أسير حرية وهي لن تعدم الوسيلة لرسم سفر بطولة جديد، ما بقي أسير مكبل بأصفاد الغزاة الصهاينة، كذلك فمنذ الفاتح من تشرين الثاني الماضي يواصل 500 من الأسرى الإداريين مواجهتهم لسلطات السجون بمقاطعة محاكم الاحتلال في معركة التصدي لسياسة الاعتقال الإداري.
إن أكثر ما يخشاه جنود العدو دوما هو وقوعهم في أسر أسود المقاومة، وهذا ما يدفع عدداً واسعاً منهم للتهرب من التجنيد في الفرق المقاتلة تلك التي تدفع إلى ميدان القتال على جبهات المقاومة في فلسطين المحتلة أو شمالاً على جبهة حزب الله. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد عمليات تبادل الأسرى بلغ 36 عملية على المستوى الفلسطيني والعربي منذ عام 1949 بدأتها مصر عربياً، والجبهة الشعبية فلسطينياً، وكانت آخر عمليات التبادل هي تلك التي أبرمت بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ودولة العدو في مفاوضات ماراثونية غير مباشرة استمرت لما يزيد على خمس سنوات نجح فيها المفاوض الفلسطيني الذي خبر كيفية لَيّ ذرّاع المراوغ الصهيوني فارضاً إطلاق سراح 1029 أسيراً وأسيرة في عرس وطني فلسطيني عظيم وقد ألزمت العدو بتجاوز كل محرماته التي حاول فرضها وهو الذي حاول المناورة حتى اللحظات الأخيرة بأنه لن يُطلق سراح أسرى المؤبدات وأولئك الذين قتلوا جنوداً أو مستوطنين وكذلك الأسرى العرب أو الأسرى من القدس أو من فلسطين التي احتُلت عام 1948، ونجح رجال حماس في فرض إذعان مذل على (تل أبيب)، وتَعد اليوم كتائب الشهيد عز الدين القسام، بأن تكون الصفقة القادمة صاعقة بنتائجها وستثلج صدور أبناء شعبنا الفلسطيني وعائلاتهم التي تنتظرهم وسيشكل لحظة فارقة تعمدها المقاومة في كل ميدان مواجهة يحاول فيها العدو الأحمق اختبار قدرات المقاومة وإرادة الشعب الصلبة، تلك التي تفرض على جيش الاحتلال في كل محطة "تراجُعاً" مُهيناً جديداً وتآكلاً إضافياً لقدراته الردعية وتضيف إلى مخزون توازن الرعب ما يجعل العدو فاقداً للرؤيا وكي يدرك دون تردد أنه يعيش مرحلة العد التنازلي لوجوده الطارئ والزائد على الأرض الوطنية الفلسطينية .
لقد قررت المقاومة، وخلفها يسندها ويمدها بكل أسباب القوة شعب مرابط صامد، تحرير أولئك الأبطال، فهُم منغرسون عميقاً في الوعي الجمعي رجالاً وفرساناً ضحوا من أجلنا جميعاً، وأفنوا زهرات عمرهم الجليل حتى نحيا كراماً أحراراً، فَحَقّ لهم أن نبادلهم التضحيات الجسام ومهما غَلَت حتى يعانقوا الحرية الكاملة أسياداً نحملهم على الأكتاف، يزينون صدورنا، وتنير أسفارهم الدرب خالدة حتى رفع العلم الفلسطيني خفاقاً على ترابٍ مقدس طهور حباه الله كل المجد في الدنيا والآخرة.