غرقت القدس في بحر النسيان بفعل الإهمال الفلسطيني وعرضها في مزاد المفاوضات، عززه الضعف والهوان العربي والتآمر الغربي، لكن كوماندوز الجبارين أعاد أمس مؤشر البوصلة نحو القدس والأقصى رغما عن كثيرين عملوا على حرفها.
وهل كان يتوقع الاحتلال وأعوانه في ظل الهجمات المتكررة على الأقصى وتدنيسه والجرائم بحق رواده وحراسه، والتضييق على المرابطين والمرابطات واعتقالهم، وتهويد حارات القدس وسرقة مبانيها، والتحريض الرسمي الإسرائيلي وإقامة شعائر تلمودية وممارسات لا أخلاقية داخل باحات الأقصى ستمر دون عقاب؟؟ إنهم واهمون !!.
يوم الجمعة الأحب إلى الله ولكل مسلم يقرر شباب عائلة جبارين الثلاثة إقامة صلاة الجمعة في ساحات الأقصى وبدون إذن من أحد، وفي خطبة جمعة "المحمدين الثلاثة" ثورة ودماء تؤكد أن مشروع شعبنا الأصيل هو المقاومة، ورسالة جديدة بتمسك أهلنا في الداخل بهويتهم الوطنية ومقدساتهم، وتؤكد وحدة شعبنا في القدس وغزة والضفة وأراضي الـ48 والشتات، وهي رد أيضا على ما يروج له من مشاريع سياسية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية، ورسالة لمن باع حائط البراق للاحتلال وللمطبعين الجدد من الأعراب.
أنا على يقين بأن أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية ستقضي آلاف الساعات في دراسة العملية البطولية ومفاجأة الزمان والمكان، فهي عملية استشهادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمن أراد نصرة الأقصى فلن يعدم الوسيلة حتى لو كان كارلو، وقد تدشن مرحلة جديدة في تحول انتفاضة القدس من السكين إلى البندقية وهو ما سيقلق الاحتلال في قراءة السلوك المقاوم في المستقبل، فرغم أن المنفذين ثلاثة لكنها عملية فردية لا يقف وراءها تنظيم، ومنفذوها من فلسطينيي الـ48.
قد تتخذ حكومة الاحتلال إجراءات انتقامية عقابية مختلفة لكنها لن توقف موجات انتفاضة القدس، بل قد تزيد الواقع المقدسي والفلسطيني ثورة واشتعالا، وعليها قراءة أبعاد العملية بدقة وعمق بعد هذا الدرس القاسي.
كل القادة الفلسطينيين مطالبون بالوقوف إلى جانب أهلنا في القدس سياسيا وماليا وإعلاميا وبكل السبل، وعدم السماح بالاستفراد بهم وبالأقصى، أو استخدام العملية ذريعة لأي انتقاص من حقنا في الأقصى والتصدي لأي خطوة إسرائيلية غبية، وعلى العالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره قراءة الرسالة جيدا، فالأقصى محور الصراع وقد تتفجر المنطقة برمتها نتيجة جرائم الاحتلال، وجميعهم مطالب بالتحرك لكبح جماح الاحتلال وإرهابه ضد شعبنا ومقاومته قبل فوات الأوان.
دماء كوماندوز الجبارين أضاءت عتمة المشهد الفلسطيني الواقع في مطحنة أوهام التسوية والمفاوضات، وحصار المقاومة وخنق غزة وإشغالها في تفاصيل الحياة وأزمات الكهرباء والبطالة .
إن دماء "المحمدين" تؤكد مجددا أنه ليس ثمة طريق أصوب نحو القدس من عزف البندقية.