فلسطين أون لاين

​"الطالبة الأربعينية" حصدت الامتياز بعد 26 عامًا من الانقطاع

...
غزة - نسمة حمتو

يراودها حلم الدراسة منذ 26 عامًا، ولكن لم هذا لما يكن ممكنًا بسبب التزاماتها في بيتها مع زوجها وأطفالها، وبعد أن كبر أبناؤها، وشعرت بدرجة من الاستقلالية، سارعت للتسجيل في وزارة التربية والتعليم كي تحقق حلمها وتكمل دراستها، إنها الطالبة وسام أبو عاصي "أم الفضل" (43 عامًا) من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، والتي حصلت على معدل 93% في الفرع الشرعي بالثانوية العامة.

رغبة مسبقة


أبو عاصي تحدت كل الصعوبات التي واجهتها، ووضعت قدمها على أولى خطوات النجاح بدعم من عائلتها وزوجها الذي لم يتوانَ لحظة عن تقديم الدعم والمساندة لها.

تقول أبو عاصي عن بداية التحاقها بالمدرسة: "العام الماضي، كان ابني في الثانوية العامة، وبعد أن نجح ورأيت الفرح في عينيه، تشجعت على تحقيق حلمي الذي يراودني منذ سنوات، وكنت قد حفظت سبعة أجزاء من القرآن الكريم وهذا ما شجعني أكثر على التسجيل، أخبرت زوجي برغبتي، ولم يمانع ولم يستغرب لأنه كان على علم مسبق برغبتي في ذلك".

وتضيف في حديثها لـ"فلسطين": "في كل عام، عند إعلان نتائج توجيهي أبكي من الفرح، حتى ولو لم يكن لدي قريب حصل على نتيجة".

وتتابع وعيناها تلمعان من شدة الفرح: "التسجيل لامتحان الثانية كان معاناة بالنسبة لي، فكلما توجهت لإتمام إجراء ما، يسألني الموظفون باستغراب، ويكررون السؤال: (ستسجلين من؟)، كان المشوار صعبًا وطويلًا، ولكن بفضل الله تغلبت عليه".

وتوضح السيدة التي لم يفارقها الشعور بالثقة منذ بدأت تتحدث: "كان التحدي بالنسبة لي أن التحق بالمدرسة وأداوم فيها مع الطالبات، وهذه كانت مشكلة كبيرة بالنسبة لي، خاصة عندما وجدت استغرابًا كبيرًا من الطالبات لوجودي بينهن".

وتبين: "الحمد لله سرعان ما زال هذا الشعور بعد مداومتي على الدراسة، وبفضل الدعم الدائم من قبل المُدرسات، الاستمرار كان بحاجة إلى دافع، وبفضل الله وجدت ذلك من زوجي وأبنائي الذين دعموني بشكل كبير".

حفيد ثالث

وتقول أبو عاصي التي استقبلت خبر ولادة ابنتها لتصبح الفرحة عندها فرحتين: "كان أبنائي دائمًا يحرصون على مساعدتي في أعمل المنزل، وعندما يعودون من المدرسة يؤدي كل منهم مهامه التي يعرف أنه يتوجب عليه القيام بها".

26 عامًا مضت على انقطاع أبو عاصي عن الدراسة، ولكنها لم تترك الكتب يومًا، فكانت تدرس منهاج أبنائها قبلهم كي تتمكن من تدريسهم، وهذا ما زاد إصرارها على النجاح والتميز بشكل أكبر هذا العام.

تشير أبو عاصي إلى أنها التحقت الفرع الأدبي في البداية، ولكن بعد أن علمت المدرسات برغبتها في دراسة القرآن الكريم وعلومه نصحنها بتحويل تسجيلها إليه.

اللغة الإنجليزية

لم تكن "أم الفضل" تفقه شيئًا في اللغة الإنجليزية، وهي المادة الوحيدة التي واجهت صعوبة كبيرة فيها منذ البداية، ولكنها تمكنت من تجاوز كل العقبات والنجاح فيها، غير أن زوجها كان يساعدها بشكل كبير.

تقول أبو عاصي عن الصعوبات التي واجهتها في فترة دراستها: "حبي للشيء الذي أنتظره جعلني أفكر بالنجاح ولحظة إعلان النتائج فقط، كنت أقضي وقتي كله في الدراسة، ورغم أنني كنت أقدم الامتحانات في رمضان وكانت هناك مسؤولية ملقاة على عاتقي كأم إلا أن هذا العام كان من أجمل الأعوام بالنسبة لي، حتى أنني لم أشعر فيه بالجوع والعطش أبدًا".

قبل إعلان النتائج بأيام كانت الطالبة الأربعينية تشعر بخوف شديد، خاصة وأنها قدمت كل ما لديها من طاقة كي تحصل على ما تتمناه وتتفوق في دراستها، وعن ذلك توضح: "في يوم النتائج، اشترى أبنائي البالونات والزينة وعلقوها في المنزل، حتى أنهم اشتروا ألعابًا نارية، وانتظروا لحظة إعلان النتائج، وكنت قد توقعت مسبقًا أن أحصل على معدل 92% إن اجتزت مادة اللغة الإنجليزية".

فرحة عارمة

وصلت الرسالة المُنتظرة عبر الهاتف النقال، وحملت البشرى بأن المعدل أعلى من المتوقع، خرّت أبو عاصي ساجدة لله وهي تبكي من شدة الفرح، وانهالت التبريكات من أهل بيتها وجيرانها، فكان "يومًا خياليًا" بالنسبة لها.

تقول أبو عاصي عن هذه الفرحة: "لو أنني امتحنت الثانوية قبل 26 عامًا، لما كنت لأشعر بالفرحة التي شعرت بها ساعة إعلان النتائج، هاتفت والدتي في ألمانيا وأخبرتها بنجاحي، شعور والدتي بالفخر جعلني أنسى الدنيا وما فيها، ووالدي قال لي (رفعتِ رأسنا بنجاحك)، حتى أن أهلي هناك أصبحوا يفتخرون بي أمام الجالية العربية".

تحقق الحلم الذي لطالما كانت "أم الفضل" تحلم به، وهي الآن على أبواب تحقيق حلم آخر، هو دراسة علوم القرآن في الجامعة الإسلامية، وهي ترى أن هذا التخصص فيه العلم الوحيد الذي ستستفيد منه في الدنيا والآخرة.