يمتاز شهر رمضان لدى الغزيّين بانطلاق أغلب الأسر بعد تناول طعام الإفطار لأداء "صلة الرحم" وزيارة الأقرباء والأصدقاء، ورغم أنّ هذه الزيارات تأتي من منطلق ديني ورغبة في كسب الأجر وتعزيز الترابط الاجتماعي وتقوية أواصر العلاقات، إلا أنها تصطدم بعقبة "الوضع الاقتصادي" الصعب الذي تعيشه غزة بسبب الضائقة الاقتصادية وشحّ فرص العمل وتفشّي البطالة، الأمر الذي يجعل البعض يُحجم عن زيارة أقربائه لعدم القدرة على توفير الهدايا المناسبة بنظره.
ليس مبررا
وغالبًا ما يُحجم الرجال عن زيارة قريباتهم خجلًا من أن يدخلوا عليهنّ فارغي الأيدي، لكنّ كثيرًا من النساء لا يرَين في ذلك مُبرّرًا لعدم زيارة أقربائهن لهن، تقول السيدة هبة الله محمد: "الأصل أن يزور الرجال أرحامهم حتى لو كان الوضع الاقتصادي صعبًا وعلينا ألا نربط الزيارة بالهدية".
وتُضيف: "صلة الرحم لا تُقاس بالهدايا والمال، بل إنّ مُجرّد تفقد الرجل لأمّهِ أو أُخته أو ابنته، أثمن من كلّ الهدايا في الدنيا، فهي تُدخل السرور على قلبها".
بدورها، تتساءل السيدة دعاء أحمد "هل ربط الشرع صلة الرحم بالوضع المادي وأسقطها إذا كان الوضع الاقتصادي لا يسمح؟، بالطبع لا، لذلك فنحن من دمّرنا صلة الرحم بحجة الفقر، فعلى الجميع أن يؤدي هذه العبادة وفق قُدُراته المادية وألا يرهق نفسه ماديًّا فيُحضر ما يستطيعه كهدية".
وترى أن الأصل أن يصل الإنسان رحمه امتثالًا لأمر الله غير واضعٍ نُصب عينيه ما يمكن أن يقوله الطرف الآخر بينه وبين نفسه حال دخوله عليه بهدية بسيطة أو بدون هدية، فلا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها ومَنْ يُحب أيّ شخصٍ حقًّا فإنه سيسعد بزيارته دون النظر للأمور المادية".
أبهى صوره
ورغم أن "صلة الأرحام" في رمضان يؤديها أبناء شعبنا امتثالًا لأوامر دينية، لكن لها آثارًا اجتماعية إيجابية كثيرة كغيرها من الأمور الدينية التي لها مقاصد سامية، كما يُوضّح الأخصائي الاجتماعي محمد رشيد الكحلوت لـ"فلسطين".
ويُبيّن أن تلك الزيارات أصبحت عادة اجتماعية مُرتبطة بشهر رمضان لدى الناس في غزة، فما إن يتناولوا طعام الإفطار حتى تنشط حركتهم في تبادل الزيارات بين الأهل والأنسباء والأصدقاء، ما يُقرّب البعيد ويُعيد الودّ المُتبادل في أبهى صوره.
ويُضيف: "فقد ينشغل الناس عن بعضهم البعض طوال العام فتجدهم يجتمعون مرة أخرى في رمضان، فيجتمع الأشقاء والشقيقات المتزوجون مرة أخرى ويُعيدون ذكرياتهم معًا وتتوثّق العلاقات بين أبنائهم، وكذلك يكون للزيارات مردوداتٍ نفسية واجتماعية إيجابية بين المُتزاورين".
ويُلفت إلى أنّ الزيارات تُحدثُ فارقًا كبيرًا في النفسية إذا كان المَزُور سيدة، فنجد السيدة المتزوجة، تشعر بالفخر والاعتزاز والمباهاة بين أهل الزوج لزيارة والدها وأشقائها لها، ما يجعل من الضرورة القيام بهذه الزيارات بغضّ النظر عن الوضع الاقتصادي الصعب.
ويستدرك بالقول: "لكن ذلك لا يعني تجاهل حقيقة أنّ أكثر من نصف سكان قطاع غزة تحت خط الفقر وأنّ الموظفين منهم يتلقّون أنصاف رواتب بالكاد يتدبّرون منها احتياجاتهم الأساسية، لكن يمكن حلّ المُعضلة باقتطاع مبلغٍ بسيطٍ من الميزانية لشراء هدايا بسيطة تُدخلُ الفرح على قلوب الأرحام".
ويتابع: "هناك هدايا في السوق تُناسب كلّ الأوضاع الاقتصادية، فكما أنّ هناك هدايا باهظة الثمن يمكن لميسوري الحال شراؤها هناك هدايا تتراوح أسعارها بين 5-20 شيقلًا، يمكن لذوي الدخل المحدود شراءها، لا أن يلجأ لقطع رحمه بذريعة الوضع الاقتصادي الصعب".
ودعا للعودة للميراث الشعبي الجميل الذي يعدُّ أنّ زيارة الرجل لأمّه أو أخته أو ابنته بـ"الدنيا كلها" ولم يكونوا ينظرون لما تحمله أيديهم من هدايا، بل يكتفون بدخوله البيت والجلوس معه وكلامه الطيب ما يُضفي الفرح على قلوبهن.
ويُؤكّد في الوقت نفسه ضرورة أن تُراعي النساء أوضاع أقربائهن الماديّة ولا يحرجنّهم حال عدم إحضار هدية أو هدية رخيصة الثمن، والمراعاة يجب أن تكون بشكلٍ مُتبادلٍ بين الطرفين.
ومثّل على ذلك بوجود نساء ميسورات الحال يُعطين مبلغًا من المال لأشقائهنّ كي يأتوا ويزوروهنّ في بيوتهنّ أمام أهل أزواجهن، وفي الوقت ذاته هناك رجال كُثرٌ أصبحوا يميلون في الفترة الأخيرة لزيارة أرحامهم في نهار رمضان كي لا يكلّفوهنّ ثمن الضيافة مُراعاةً لأوضاعهنّ الاقتصادية الصعبة، وهي أمور جميلة من مُراعاة بعضنا البعض تضمن عدم انقطاع صلات الود.