كان من المفترض أن تكون (آلية روبرت سيري) لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال خلال عدوان عام 2014، تجريبية لمدة ستة أشهر وبعد ذلك يتم إعادة النظر فيها، وإدخال مواد البناء بشكل سلس ودون شروط، ولكن هذه الآلية التي استمر العمل بها منذ انتهاء الحرب على غزة وحتى يومنا هذا، كانت ولا تزال مذلة للشعب الفلسطيني لمنحها الاحتلال الحق بمراقبة كافة حركات الإنشاءات والبناء بل ومراقبة خط سير كل كيس أسمنت يدخل قطاع غزة.
وبحسب تقرير لصحيفة "فلسطين"، فإن الآلية الدولية لإعادة الإعمار (GRM) لم توفر سوى 33% من احتياج قطاع غزة من متطلبات الإعمار، فيما أفصح مسؤولون أن نسبة 50% هي ما تم إعماره، لكن خبراء اقتصاديين شككوا بذلك، مبينين أن نسبة الإعمار في قطاع الإسكان بلغت 39%، فيما مجمل ما وفرته هذه الآلية من احتياجات قطاع الإسكان والاقتصاد والبنى التحتية وقطاع الزراعة يقدر بنحو 17% فقط.
للقصة بقية
ويوضح مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة د. ماهر الطباع أن مجمل ما تم تحويله من أموال المانحين لإعادة الإعمار بلغ مليار و796 مليون دولار حسب تقرير البنك الدولي، إلا أن المبلغ الذي صُرف كتدخل فعلي في إعادة الإعمار كالإسكان والبنى التحتية والبلديات لا يتجاوز 670 مليون دولار أي بنسبة 17% من احتياجات إعادة الإعمار.
وأشار الطباع إلى أن 284 مليون دولار من المبلغ المرصود لإعادة إعمار غزة، ذهبت لصالح قطاع الإغاثة، و280 مليون دولار لصالح "الأونروا"، و334 مليون دولار لدعم موازنة السلطة، و83 مليون دولار للوقود دون تحديد أي وقود، و131 مليون دولار تحت بند مصاريف دون معرفة ماهيتها.
وقال الطباع لصحيفة "فلسطين": "إن عملية الإعمار تسير بوتيرة بطيئة شديدة كالسلحفاة"، مشيراً إلى أن هناك بعض التحديات التي تواجه ملف عملية الإعمار، أولها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أحد عشر عاماً".
وأضاف: "التحدي الآخر هو عدم إيفاء المانحين بالتزاماتهم في مؤتمر القاهرة لإعادة الإعمار"، موضحاً أن ما تم رصده بالمؤتمر نحو 5 مليارات دولار، كان نصيب عملية الإعمار 3 مليارات ونصف، إلا أن ما وصل من الأموال حسب تقرير البنك الدولي يبلغ 51% منها.
والتحدي الثالث، كما تابع، هو القيود المفروضة على عملية إدخال مواد البناء، من خلال آلية الإعمار (GRM) التي كانت معيقا رئيسيا لعملية الإعمار، موضحا أن آلية روبرت سيري لم توفر سوى 33% من احتياج القطاع من الإعمار.
وعلى صعيد قضية "الإسمنت" الذي يمثل ركيزة أساسية في الإعمار، ذكر الطباع أن ما تم إدخاله لغزة منذ أن سمح الاحتلال في منتصف أكتوبر/ تشرين أول 2014 وحتى 30 يونيو/ حزيران 2017 المنصرم، لم يتجاوز مليون و600 ألف طن، فيما تبلغ احتياجات قطاع غزة من الإسمنت بالوضع الطبيعي في العام الواحد مليون ونصف طن.
وفي قطاع الإسكان، أوضح مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة أن الوحدات السكنية التي دمرت بشكل كلي بلغت 11 ألف وحدة، فيما بلغ عدد الوحدات التي أعيد بناؤها 4200 وحدة سكنية، أي بنسبة 39%.
أما عن المنشآت الاقتصادية، ذكر أن القطاع الاقتصادي مغيب عن عملية إعادة الإعمار، مشيرا إلى أنه حسب التقارير الرسمية تضررت 5427 منشأة قدرت خسائرها المباشرة وغير المباشرة بنحو 284 مليون دولار، فيما خصص مؤتمر القاهرة لعملية إنعاش القطاع الاقتصادي نحو 566 مليون دولار.
وأضاف الطباع: "إلا أن ما تم صرفه للقطاع الاقتصادي يبلغ 9 ملايين دولار وذلك لإعادة إعمار 3200 منشأة التي تضررت بشكل جزئي وتم تقييم خسائرها بأقل من 7 آلاف دولار لكل منشأة، لافتا إلى أن هناك مبلغا تم رصده ولم يصرف حتى اللحظة بنحو 8 ملايين و600 ألف دولار من المنحة الكويتية، وما سبق يعني أن 6% من اضرار القطاع الاقتصادي المباشرة وغير المباشرة تم التدخل بها".
ولفت النظر إلى القيود والشروط المتبوعة بالرقابة الصارمة التي تحتاج إلى موافقة من الاحتلال على إدخال مواد البناء، فضلا عن القيود التي فرضها الاحتلال على مصانع الباطون باشتراط تركيب كاميرات، ومعاينة الاحتلال أسماء المواطنين المستفيدين ما ساهم في تعميق أزمة تعطل إعادة الإعمار.
وشكك الطباع بتصريحات وزير الأشغال والإسكان مفيد الحساينة الذي قال فيها إن غزة بحاجة إلى 150 مليون دولار لإنهاء عملية الاعمار، وقال: "إن مجمل ما وصل من أموال لسد احتياجات غزة في قطاعات الإسكان والاقتصاد والبنى التحتية والزراعة بلغت نسبة 17% فقط".
وتيرة بطيئة
من ناحيته، أكد المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عدنان أبو حسنة أن عملية الإعمار تسير بوتيرة بطيئة نتيجة نقص التمويل، مشيرا إلى أن هناك 3500 عائلة ما زالت بيوتها مهدمة بالكامل وما زالت تتلقى بدل إيجار حتى اللحظة من الوكالة الدولية.
وقال أبو حسنة لصحيفة "فلسطين": "إن ما وصل من أموال الإعمار منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014م ومؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار القطاع، يبلغ نسبته 30% من إجمالي المبلغ الذي طلبته الأونروا من المانحين والبالغ 724 مليون دولار".
وبيّن أن وكالته انتهت من ملف إعمار البيوت غير الصالحة للسكن (المدمرة تدميرا جزئيا) والبالغة 5500 بيت، لافتا النظر إلى عدم وجود تمويل لملف الأضرار البسيطة، الأمر الذي يجعل أكثر من 50 ألف عائلة تنتظر للحصول على هذه المساعدات، لإصلاح الأضرار التي لحقت بمنازلهم.
ولفت إلى وجود تمويل لإعمار 1000 بيت مدمر من خلال المنحة السعودية البالغة 40 مليون دولار والتي لم تصل بعد.
معاقبة جماعية
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية د. وليد المدلل يقول إن الدول الغربية والاحتلال والأمم المتحدة استخدمت ملف الإعمار بسياقه السياسي، بمعنى أنها فرضت أجندتها فيما يتعلق بملف الإعمار، ووضعت شروطا لإذلال المواطن بذريعة ضمان عدم استفادة المقاومة من الإعمار بعد وضع قيود بملف الإسمنت.
وأضاف المدلل لصحيفة "فلسطين": "إن عرقلة الإعمار تمت نتيجة تأخر الدول المانحة عن دفع استحقاقات الإعمار، ونتيجة التفاوض الطويل على آليات الإعمار وأشكال المراقبة، فلم يتناسب ما تم بناؤه مع حجم ما خلفته الحرب"، متهما السلطة بالتواطؤ مع الشروط الإسرائيلية والغربية في عملية الإعمار.
ورأى أن السلطة استخدمت ملف الإعمار في إدارة الصراع مع حماس، حتى لا تستفيد منه حماس، مبينا أن السلطة حاولت نزع أي مكتسبات ممكن أن تحققها المقاومة.
وبيّن المدلل أن السلطة لعبت دورا كبيرا في إعاقة الإعمار، موضحا أن عملية الإعمار كان مقصودا منها امتصاص الغضب الشعبي في غزة لعدم انفجار الوضع.
وأشار إلى أن عملية الإعمار ولدت سياسية منذ اللحظة الأولى، وكان الهدف منها إفقاد المقاومة أي مكسب من المكاسب، ومن جانب آخر دفع أهالي القطاع ثمن احتضانهم للمقاومة.