الاحتلال إرهاب دولة منظم، فحين تُعدم عندهم الوسيلة، يهرب العاجزون دوماً إلى الأمام. هذه هي حقيقة محاولة قيادة العدو السياسية والعسكرية الترويج بأن عمليات المقاومة الباسلة التي هزت أركان كيان الاحتلال تعود إلى تنظيم "داعش"، في فلسطين المحتلة.
ولكن الوقائع تؤكد عكس ذلك تماماً، وكذلك تعليقات ومتابعات الباحثين والمختصين في هذا الشأن. بل ووجهت اتهامات تجافي الحقيقة لفصائل المقاومة الإسلامية بأن لها علاقة ما بدءاً من تنظيم "القاعدة" وانتهاءً بالفصائل التي انشقت عنه كجماعة "داعش" وليس جديداً محاولة الخلط بين ما تقوم به فصائل العمل الوطني الفلسطيني التي تتبنى النهج الإسلامي وتلك الفصائل التي تقول إنها منظمات إسلامية بل ويُشوه أداؤُها التعاليم الإسلامية الحنيفة، وتذهب بعيداً في سفك دماء الأبرياء تحت دعاوى وحجج زائفة، حتى أن الكثير من عملياتها ترفع علامات استفهام لا حصر لها حول ارتباطات بعضها بأجهزة أمن أجنبية بل وغربية.
إن ما أكدته الأحداث وخبرات عقود من الصراع الذي كانت بواكيره في أفغانستان حين احتل الاتحاد السوفيتي السابق البلاد ودعماً للنظام الشيوعي في حينه للرئيس نور تراقي، ومن ثم للرئيس محمد نجيب الله بعد عزل بابراك كارمل، أضحت المصالح الأمريكية في الإقليم في خطر فبدأت واشنطن في حقن الحياة في تنظيم "القاعدة" مستثمرة الدعم الغربي وأداته "النيتو"، واستخدمت بل واستغلت "الدين" ومشاعر بعض المجموعات لشن "حرب مقدسة" على "الشيوعية الروسية وأتباعهم في كابول"، تلك الحرب التي دامت عشر سنوات، وقد أدخلت موسكو الجيش الأربعين في 25 كانون الأول عام 1979.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت تظهر على السطح عديد الفصائل في عديد الساحات تثير أسئلة تترى حول حقيقة ارتباطاتها بالغرب عموماً وبواشنطن "وتل أبيب" على نحو خاص التي قدمت خدماتها دعماً لهذه الفصائل التي تقاتل الجيش السوري منذ أكثر من عقد حتى الآن، كما أنه في مُستشفياتها المئات من جرحى "النصرة" وغيرها.
وهذه القوى لم تشكل أي تهديد جدي لكيان الاحتلال، بل إن وزير الأمن القومي الصهيوني السابق موشي يعلون قال عام 2017 إن "داعش اعتذرت عن إطلاق صاروخ تجاه هضبة الجولان" وهي محتلة!
في الوقت الذي أكدت فيه صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن المؤسسة الأمنية الصهيونية قالت بوضوح إن "داعش" لا علاقة لها بالعمليات الأخيرة لا من قريب ولا من بعيد، وأضافت الصحيفة أن حماس هي المُلهم لمعظم هذه العمليات. ويتضح أن هذا الخلط بين المقاومة المشروعة التي يتبناها الشعب الفلسطيني الذي يناضل لتحرير وطنه منذ أكثر من سبعة عقود وبين فصائل تجمع الأوساط أنها تمارس إرهاباً منظماً هو محاولة لتشويه صورة ثورة الشعب الفلسطيني التي تقاتل عدواً محتلاً وعنصرياً نازياً دفاعاً عن ثوابت وحقوق مشروعة أكدتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثر من 721 قرارا ومجلس الأمن الدولي ب 85 قراراً، وهي محاولة بائسة لتحشيد رأي عام دولي تحت يافطة "الإرهاب" التي يرفعها العالم اليوم ولحرف الأنظار عن جوهر الصراع الدامي للاحتلال ولإرهاب الكيان الصهيوني الذي يتصرف كنظام مارق وفوق القانون منتهكاً قرارات الشرعية الدولية وحقوق الإنسان بل وإدانته المئات من قرارات الأمم المتحدة ومنظماتها وبأن أفعاله ترتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما أنه صُنِف نظام تمييز عنصري من عدد من المنظمات الحقوقية الدولية. لقد حاول ذلك جميع رؤساء حكومة كيان العدو في فلسطين المحتلة، منذ بدؤوا الترويج لخرافة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!
ولقد سبقت دمدمات رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت تلك التي أطلقها سلفه المنصرف بنيامن نتنياهو في حملاته المكثفة لدعاواه المُضلِّلة حين ذكر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حركة حماس وتنظيم القاعدة وجهان لعملة واحدة وسط استنكار المجتمع الدولي بأغلبيته الساحقة وهو يعلم يقيناً جوهر الكفاح على الأرض الوطنية الفلسطينية المحتلة، وقدم الدعم لثورة الشعب العادلة ومنحه الإسناد بقرارات تؤكد شرعية مقاومته لتحرير ترابه الطهور وإقامة دولته الحُرة المستقلة كاملة السيادة.
لقد حاولت قيادات العدو السياسية والأمنية استخدام سلاح الإعلام بكل سطوته في كل الوسائل الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي مستثمرة خبرتها في هذا المجال وبدعم الكونغرس الأمريكي وجماعات اللوبي في الولايات المتحدة الأمريكية كمؤتمرات "الإيباك".
وما هو لافت للانتباه اليوم هو انضمام أبواق جديدة تنعق لتشويه صورة القضية الوطنية الفلسطينية فهي لم تعد غربية فقط، وقد تبرع عدد من العُربان لتلك الجوقة على المستويين الإعلامي والرسمي.
وتعلم الأوساط الصهيونية والغربية وتلك العربية المتصهينة أن حماس وداعش لا تربطهما رابطة، فقد خرجت داعش بفيديو تعلن فيه تكفير حماس، التي تختلف فيه حماس منهجاً وموقفاً وأداءً وهي التي خرجت من رحم الشعب تدافع عن حقوقه وتحفظ ثوابته وتقدم خيرة قادتها وأبنائها ذوداً عن أولى القبلتين وبوابة السماء، أرض المحشر والمنشر.
ويتجاهل الذين يحاولون بدهاء المزج بين المنظمات المتشددة وفصائل المقاومة دون اكتراث لفارق الواقع العنيد الذي أنجب النقيضين، فالمقاومة نبت طبيعي لبيئة احتلالية تقرر مقاومتها كل الشرائع السماوية والأرضية كما أن التاريخ الجرائمي لهذا الكيان الغاصب لن يمكن قادة العدو من استثمار هذه الدعاية المكشوفة التي تجد دعماً من كل الذين يحاولون شيطنة المقاومة ووسمها بالإرهاب، وقد أثبتت الفصائل الإسلامية في المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أنها حركات مقاومة مشروعة ضد الاحتلال بمرجعية إسلامية عقلانية معتدلة، بل إن حماس تعاملت بكل جدية ومسؤولية وطنية حين واجهت ممارسات عدد من المجموعات المتطرفة بشكل حاسم وردت على خصومها الذين انتقدوا ذلك بأن المخاطر التي كانت محدقة بالوطن هي أكبر بكثير من القضاء عليها في مهدها.
وحركة حماس التي دخلت إلى عالم صندوق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية في 25 كانون الثاني 2006 من موقع احترام إرادة الشعب وأنه لا تناقض بين الإسلام والديمقراطية وعلى أساس مبدأ المساءلة وتقبل التعددية السياسية.
وتعلم دولة العدو أن حركة حماس حصرت جهادها في جبهة واحدة وقد وجهت إليها كامل أسلحتها وأكدت في كل المناسبات أن بوصلتها حددت القدس مركزاً للمقاومة حتى تحرير كامل الوطن الفلسطيني المحتل من رجس آخر صهيوني غازٍ لفلسطين.
وهنا لا بد من إعادة الأمور إلى بني الجلدة –أو أنه المفترض– حين تكيل بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التهم العرجاء والقاصرة لهذه الحركة المناضلة، بل والصمت المريب حين ينعت وزير الجيش الصهيوني حماس بالإرهاب.
أما رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت فقد تصرف كالنعامة حين لم يأبه بتصريحات قادته أجهزته الأمنية التي أكدت أن العمليات الأخيرة قد تم تنفيذها عبر رجال المقاومة، حين قال إنها من فعل "داعش" "ما يحتم على أجهزة الأمن التكيف السريع مع هذا التهديد الجديد"!
العدو الصهيوني لا يحتاج للذرائع كي يتابع ولوغه في الدم الفلسطيني وقد كانت مذبحته الأخيرة جريمة اغتيال ثلاثة من فرسان المقاومة على مفترق عرابة في محافظة جنين، ولم يزل يتابع استيطانه الذي يتسارع في الضفة الفلسطينية المحتلة، كذلك تدنيسه اليومي للمسجد الأقصى المبارك على طريق إنقاذ خططه اليائسة بتدميره وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
قادة الاحتلال يتوقعون من المقاومة تصعيداً غير مسبوق وهذا ما أكدته العمليات البطولية الثلاثة الأخيرة، وقد أنذرت فصائل المقاومة بأن ردها سيكون قاسياً وحاسماً على كل جرائم العدو، وكانت حركة حماس قد وعدت في تصريح صحفي أخير، أن الرد آتٍ، وأن سياسة القتل لن توفر للصهاينة الأمن المزعوم، بل ستزيد شعبنا المرابط قوةً وإصراراً وتلاحماً في تعزيز مقاومته والاشتباك معه في كل الساحات ثأراً للدماء ودفاعاً عن الأرض والمقدسات.
مع كل التقدير والاحترام.