يخشى العدو الإسرائيلي من تكرار ما حدث في معركة "سيف القدس" حينما اعتدى على أهلنا في القدس والأقصى، الأمر الذي دفع المقاومة في غزة لإطلاق صواريخ باتجاه القدس، ومن ثم استهداف كل المستوطنات والمدن الكبرى داخل الكيان بعشرات بل مئات الصواريخ، التي جعلت ملايين المستوطنين يعيشون في الملاجئ، وأظهرت العدو عاجزًا عن تأمين جنوده ومستوطنيه، أو حتى منع تساقط الصواريخ على أهم المناطق داخل الكيان، ليس هذا فحسب بل فقدان السيطرة أمام "الحرب النفسية" التي مارستها المقاومة وهي توقف حركة المطارات، وتفرض حظر التجوال على سكان المدن الكبرى، وتجبر مستوطني الغلاف على الفرار، وغيرها من المشاهد التي أذلت العدو وجعلته يستجدي الهدوء من خلال الوسطاء، ويفشل في فرض أهدافه السياسية والعسكرية.
لذلك: هو يحاول تفادي تكرار هذا السيناريو خشية مما وصفه (الرعب الرمضاني)، ويمكن فهم الإجراءات والتدابير الوقائية التي اتخذها في "خمسة مسارات" منها: إجراء لقاءات أمنية مكثفة مع قيادة السلطة ومنظومة التنسيق الأمني لمنع وصول منفذين من الضفة وأيضا قمع أي حراك داعم للمقاومة وإجهاض محاولات التسخين، وأيضا عقده قمة طارئة مع عدد من الزعماء العرب لترتيب الأوراق وتنسيق المواقف في ذات السياق، وتقديم حزمة من الخطوات للضفة والقطاع في إطار تخفيف الاحتقان ونزع فتيل التوتر، وشن حملة من الاعتقالات في صفوف العديد من الكوادر والنشطاء في الضفة والداخل المحتل، وتعزيز المناطق بكتائب إضافية بغرض مساندة القوى الأمنية خصوصا على الحواجز وأماكن التماس.
هذه الاستعدادات لم تمنع تنفيذ عمليات ضد الأهداف الإسرائيلية خصوصا بعد أن تعرض العدو لموجة متزاحمة من العمليات كان أبرزها: عملية بئر السبع، عملية الخضيرة، عملية بني براك، والتي خلفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى في صفوف العدو وجعلته مكشوفا أمام مستوطنيه (وفاشلا بامتياز) بعد أن كان يطمئن جبهته الداخلية بأنه متأهب ومستعد وقادر على مواجهة كافة المخاطر، إلا أنه سقط وبشكل مدوٍّ عند أول اختبار حقيقي، والذي بدى باكرا قبيل شهر رمضان من خلال عدد من العمليات الافتتاحية لاستقبال الشهر الفضيل، وكأنها بروفة أو مناورة فلسطينية لفحص مستوى الجهوزية لما هو قادم خلال شهر رمضان المبارك.
ونحن لا نبالغ حينما نقول إنه سقط أمام الاختبار لأن المنفذين كانوا يطلقون النار بكل أريحية على حين كان الجنود من قوات النخبة يفرون ويصيحون من الخوف وآخرين منهم التصق بالأرض مرتعدا خشية أن يكون في صفوف القتلى، وبالتالي: فإن دافعية جنوده ونخبته للقتال منخفضة جدا أمام بطولة الفلسطينيين، كما أن احتياطاته وحواجزه وعوائقه الأمنية بالأساس لم تفلح في منع وصول المنفذين من داخل الضفة أو حتى اكتشاف الأسلحة التي يخفيها منفذو العمليات، هذا بالإضافة لإخفاقه في معرفة نوايا فلسطينيي الداخل الذين نفذوا هجمات نوعية دون أن تصل أي (إنذارات ساخنة) للأجهزة الاستخبارية المختصة، ويطول الحديث حول صور هذه الإخفاقات التي أظهرت هشاشة الامن الإسرائيلي بشكل عميق.
لكن إذا ما كان هذا هو الواقع فكيف يمكن للاحتلال السيطرة خلال شهر رمضان المبارك؟ والذي يعد أحد أهم التحديات في وجه العدو، فالمعطيات على الأرض تشير وبشكل واضح إلى إمكانية ارتفاع وتيرة التصعيد بعكس ما يريد الاحتلال وهذا باعتقادي عائد لعدة أسباب منها: 1- انهيار مشروع التسوية وفشله بشكل ذريع، 2- إيمان الفلسطينيين بالمقاومة المسلحة سبيلا لاسترداد الحقوق، 3- استمرار بل تصاعد العدوان ضد: غزة، الضفة، القدس، والداخل المحتل.
وهذا بدوره يعطي دلالة واضحة بأن شهر رمضان المبارك لن يكون مجرد شهر عابر تمارس فيه الشعائر الدينية، بل ربما يكون أكبر فرصة لتصعيد المواجهة في وجه العدو الإسرائيلي، عبر شن مزيد من العمليات النوعية في إطار لجم العدو وردعه عن مواصلة العدوان ومنعه من الاستفراد بالقدس والاقصى، وكبح جماحه عن مواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني، لأن من يعتدي على شعبنا ومقدساته يجب أن يستعد لدفع الثمن بشكل لا يتوقعه وفي أماكن تخالف كل تقديراته.
ليس هذا فحسب، فربما عليه الانتباه جيدًا للمتطرفين الذين يحرضون بشكل دائم لاقتحام الأقصى والاعتداء على المقدسيين لأنهم سيكونون أهدافا محتملة أمام المنفذين، ولا ندري كيف ستكون نهاية بعضهم سواء كان ذلك بالدهس أو الطعن أو إطلاق النار أو التفجير لكن المهم أنهم لن يكونوا بعيدين عن أعين وأيدي المنفذين، وعسى أن تُزف لنا البشرى قريبا، وتُغلَق معهم فاتورة الحساب في هذه الجولة ليكونوا عبرة لغيرهم.