فلسطين أون لاين

أطلقوا أهازيج الاحتفال بيوم الأرض على أنقاض القرية

بعد الهدم الـ199.. أهالي العراقيب يغرسون تجذرهم بأرضهم

...
صورة أرشيفية
الناصرة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

قبل أن تبتعد الآليات الإسرائيلية عن قرية العراقيب عندما قامت بهدمها مؤخرًا للمرة الـ199 على التوالي، قام عزيز الطوري وعدد من أهالي القرية بجمع الأخشاب وأكياس النايلون وقطع القماش وبدؤوا في إعادة بناء ديوان القرية وبعض المنازل، ثم استقبلوا حشودًا غفيرة من أهالي الداخل الفلسطيني من المتضامنين معهم وأطلقوا أهازيج الاحتفال بيوم الأرض ورفع أعلام فلسطين على أنقاض القرية.

أحيا عزيز وأهالي القرية والحشود المتضامنة يوم الأرض الذي يوافق الثلاثين من مارس/آذار مبكرًا، وهم يبعثون برسائل للاحتلال تؤكد تمسكهم بأرضهم وهويتهم الوطنية التي يحاول الاحتلال شطبها بإزالة القرية ومسحها عن الوجود، إلا أن الأهالي في كل مرة يعيدون النبض إلى القرية بعد الهدم ويصمدون بأقل الإمكانيات، يفضلون العيش في أماكن إيواء لا تشبه المنزل إلا بالاسم على أن يتركوا أرضهم التي ورثوا عن أجدادهم للاحتلال.

بكلمات ممزوجة بالصبر والتحدي يعلق عزيز الطوري وهو أحد سكان العراقيب لصحيفة "فلسطين" عن الهدم الأخير قائلا: "في كل مرة يقومون بمصادرة كل الممتلكات وكل شيء نستعمله حتى نترك القرية، لكننا نعيد بناءها من النايلون، والخشب وأبسط الأشياء”.

بيت يمتد على طول سبعة أمتارٍ وبعرض أربعة أمتار أخرى سقفه من النايلون وجدرانه هي القماش والأغطية، يعيش الطوري وعائلته المكونة من ستة أفراد بغرفة واحدةٍ ربما لا تكفي مساحتها أن يمد الجميع أقدامهم، فيتقاسمون أيضًا الملاءات والأغطية والفرشات، يتحملون قسوة الظروف وبرودة الطقس والأجواء وكل ذلك لأجل "الاستمرارية في الحياة، وفي الصمود على أرض العراقيب”.

في كل مرة هدم تحرص قوات الاحتلال عدم ترك أي شيءٍ خلفها تمكن الأهالي من إعادة بناء القرية، فيأخذون معهم الردم بعد إزالته، بعد أن يقوموا بالضرب والاعتداء على الأهالي، والحوادث التي سجلتها ذاكرة الطوري عن الاعتداء على الأطفال ونساء ورجال القرية كثيرة ولا يستطيع حصرها، مردفًا: "عندما يأتون إلينا لهدم القرية ترى في عيون قوات الاحتلال نظرات الحقد والكراهية والانتقام”.

بناء وصمود

من لا شيء يبني الأهالي القرية ويساعدهم في ذلك المتضامنون الذين يأتون من القرى المجاورة، ويقول الطوري عن حجم الهجمة الإسرائيلية الشرسة عليهم بعد تصاعد عمليات الهدم: "كنا في السابق نبني القرية أمام عيون قوات الاحتلال، اليوم لا أستطيع التصريح أني أملك بيتًا بالعراقيب بل يجب أن أقول أمام قضاء الاحتلال أني مشرد، وهناك قرار بمنعي من دخول القرية لكني لم استسلم له وقررت البقاء معهم مهما كلفني ذلك من ثمن”.

الطوري وأهالي القرية الذين امتلأت بطونهم كرامة وعزة يطهون طعامهم على مواقد النار والحطب، يتحملون برودة الأجواء في صحراء النقب القاسية متسلحين بأبسط مقومات الحياة، وذلك لأجل سبب واحد يحركه صوته "نحن نعشق أرضنا وهذه بلاد ولدنا وترعرعنا فيها ولن نعطيها للاحتلال بأي شكلٍ من الأشكال”.

كل صباح يقطع الطوري مسافة خمسة عشر كيلو مترًا مصطحبًا أطفاله إلى مدينة رهط وينتظرهم حتى العصر ليعود بهم إلى القرية وهذا الحال يفعله يوميًا.

 "حياتنا اليومية، هي ترقبٌ وانتظارٌ لتحركات آليات الاحتلال خوفًا من تسللها غفلة أو قدومها بشكل مفاجئ لهدم القرية، فهذه الأليات لا تعرف الأوقات أو إخطارنا بالهدم تشعر وكأنك في ساحة حرب”.. وعندما يقترب الظلام ويبدأ اطمئنان الأهالي يزيد بعدم هدم القرية يجتمع رجال القرية في ديوانها يطمئنون على بعضهم البعض.

ويؤكد الطوري أن الأهالي يتمسكون بـ "العراقيب" ويستمرون بالصمود حتى نيل الاعتراف بها، والعيش الكريم، ورغم قساوة الشتاء إلى أنه يوفر لهم فرصة توفير مياه للشرب والري من خلال تجميع المياه بحفر أنشأها أجدادهم، كذلك يستعملون الحطب للتدفئة، فيما تقوم النساء بغسل الملابس على أيديهن، وطهي الخبز على الحطب، يعيشون حياة البادية في العصر الحديث لأن الاحتلال يمنعهم من الاستفادة أو استعمالها أو مد خطوط كهرباء فيضطرون لاستعمال الطاقة البديلة.

محطات من الهدم

لا ينسى الطوري عندما قدمت قوات الهدم الإسرائيلية لهدم القرية في 10 شباط/ فبراير 2011، مستذكرًا تلك اللحظات: " تجمعنا أكثر من 150 رجلاً للتصدي للهدم، لكن أكثر ما يؤلمك عندما ترى شرطيًا يعتدي على أختك ونساء قريتك وترى عشرات المصابين ملقون على الأرض ويمنع الاحتلال سيارات الاسعاف بنقلهم، وهو موقف صعب لم نستطع فيه تقديم المساعدة لهم رغم أنهم يستغيثون بنا”.

ينتقل الطوري لموقفٍ آخر "عام 2016 هدموا القرية مرة أخرى وقاموا باعتقالي مع أبي وأخوتي ووضعونا في سيارات شرطة الاحتلال، وبقي نساؤنا وأطفالنا يقاومون الهدم، يومها شعرت بعدم الحيلة أمام حجم الهجمة”.

وذكر أنه في عام 2014 حاصر الاحتلال القرية 24 ساعة قبل أن يقوم بهدمها، "لم نستطع يومها البناء لمدة ثلاثة أشهر، لكننا لم نغادر القرية وبقينا بدون فراش نلتحف السماء ثلاثة أشهر كاملة”.

هدم العراقيب لم يكن بالنسبة للطوري شيئًا عاديًا أو طبيعيًا لكنه هو والأهالي تأقلموا على هذا الواقع وهم يقومون في كل مرة بإعادة بناء القرية من العدم، يشرح كيف تتم هذه العملية "بعد الهدم نذهب لجمع الأخشاب من المناطق المحيطة ونقوم بخياط القماش من جديد وذلك حبًا بالصمود”.

بعد إعادة الأهالي بناء القرية أقاموا صلاة الجمعة الماضية واجتمعوا في ديوان القرية، ورغم أن سلطة الاحتلال تحاول سلبهم ارضهم وتقوم بأبشع الانتهاكات لأجل لذلك، لكن الأهالي يحتسبون أجرهم عند الله وحالهم يقول "لن نخذل العراقيب" ويقبلون بأبسط مقومات الحياة حتى يستمرون في نضالهم.

وعائلة الطوري من بين عدة عائلات مكونة من 87 فردًا، بقوا في القرية بعدما كان تعدادها 573 نسمة، يعيشون حياة بدائية بلا كهرباء ولا ماء، إلا من خلال حفر آبار أو استخدام الطاقة الشمسية للحصول على إنارة ضعيفة لا تكفي لتشغيل الأدوات الكهربائية.