فلسطين أون لاين

تقرير كـ"حدوة فرس" يطبق الاستيطان على "جنة المغير الخضراء"

...
قرية المغير
جنين–غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

شعور بالحسرة والألم لا يفارق قلوب أهالي قرية المغير وهم يرون على مرمى بصرهم أراضيهم التي التهمها "جدار الفصل العنصري" دون أن يستطيعوا الدخول إليها والاستنفاع بها، وما يزيدهم ألماً وحسرة أنّ اعتداءات الاحتلال بحقهم لا تنتهي، إذ يمارس كل أنواع التضييق لإخراجهم من أرضهم.

تبعد "المغير" 12 كيلومترًا عن مدينة جنين، وكانت مساحتها 17 ألف دونم، وتعتمد بشكل أساسي على الزراعة، لكن الاحتلال حاربها في "مصدر رزق أهلها" بطرق شتى، حتى أصبحت القرية نفسها غير مكتفية ذاتياً من الزراعة، وتشتري احتياجاتها من خارج القرية، يقول المواطن ناصر بزور.

ويصف بزور معاناة أهل القرية بأنها "فوق طاقة الإنسان" تبدأ بالمعاناة النفسية وهم يرون أراضيهم وأشجارهم وبيوتهم التي بنوها بـ"عرق جبينهم" على مرمى بصرهم خلف "جدار الفصل العنصري" دون أن يستطيعوا الوصول إليها.

وما يزيد معاناتهم التضييق عليهم في تراخيص البناء، حيث لا يسمح لهم بالبناء، بل إن بعضهم تسلَّم إخطارات بهدم بيوتهم، ما يجعل المواطنين في حالة قلق دائم خوفاً من تنفيذها في أي لحظة.

يقول بزور: "الشعور بالعجز يقتل المواطنين هنا، فالأرض موجودة لكنهم لا يستطيعون البناء لهم ولأبنائهم، في حين يُحتجز جزء آخر من أراضيهم وراء "جدار الفصل" ولا يمكنهم دخوله إلا بتصاريح من الاحتلال".

ولزيادة تعقيد الأمور، يعمد الاحتلال منذ مدة إلى عدم منح تصاريح لمن حصته من الأرض أقل من 500 متر، فأي قطعة مشتركة لإخوة أو أقرباء تكون مساحتها عدة دونمات يُمنح التصريح لمن ملكيتهم من الأرض أكبر ويُحرم الآخرون، تبعًا لبزور.

رحلة عذاب

ومنح التصريح لا يعني أن الأمور ستسير على ما يرام، فالتصريح لا يكون سوى لعدة أيام في السنة، ولساعات محددة في اليوم، "يحددون لنا الدخول من الثامنة صباحاً حتى الثانية مساء مثلاً، فنحاول إنجاز أعمالنا بالوقت المحدد فنتفاجأ بأنهم أغلقوا البوابة ولا يفتحونها إلا بعد العشاء أو في منتصف الليل".

ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل "نُمنع من إدخال أي آليات أو سيارات، "فتجدنا مثلاً نحمل الزيتون على أكتافنا أو على الدواب لمسافات طويلة لنخرج به خارج الجدار، هم يمارسون بحقنا كل الممارسات التي يعتقدون أنها ناجعة في جعلنا نكره أرضنا ونتركها لهم".

ويتابع بزور: "وحتى الأراضي خارج الجدار والملاصقة له فإن أصحابها ممنوعون من استغلالها بزعم أنها "مناطق عسكرية مغلقة"، في حين يُطلق المستوطنون "خنازيرهم البرية" تأكل كل ما نزرعه من محاصيل، ورغم أننا قمنا بتسميم بعضٍ منها فإن العدد يفوق قدرتنا على السيطرة عليه".

ويستذكر بحسرة حال "المغير" قبل "جدار الفصل العنصري" واصفاً إياها بـ"الجنة الخضراء" التي كان يأتي المصطافون من بقية مدن الضفة لقضاء وقت جميل فيها، لكن الاحتلال الآن أفقدنا جمال البيئة وقطع أوصالنا جغرافيا وخلق الحسرة في قلوبنا على أراضينا، فقد توفي عمي سليمان لفرط ما بكى على أرضه التي صادرها الاحتلال.

ولا تختلف الحال كثيراً عند عمار أبو مويس الذي يبين أن أغلبية أهل القرية تركوا الزراعة بعد أن لم يعد لها مقومات بسبب ممارسات الاحتلال، والتهام مستوطنة "معالي جلبوع" و"جدار الفصل" لجزء كبير من أراضيها، "يحيط بنا الاستيطان كحدوة الفرس، لا يوجد لنا سوى منفذ واحد يصلنا بـمدينتنا جنين".

ويتابع: "كان الناس يذهبون سيراً على الأقدام للعمل في بيسان والأغوار وغيرها، بينما الآن يحتاجون يوماً كاملاً لقطع المسافة ذاتها مروراً بحواجز الاحتلال، وينسحب الأمر على الزيارات الاجتماعية لأقاربهم وأنسبائهم في تلك المنطقة فقد أصبحت تستهلك وقتاً وجهداً ومالاً".

وكما أصبح العمل بالزراعة في أضيق نطاق، والرعي شهد تقليصاً كبيراً حيث يمنع الاحتلال اقتراب المواطنين بمواشيهم وأبقارهم من "الجدار" ويعرضهم ذلك لخطر إطلاق الرصاص عليهم، الأمر الذي جعلهم يتركون مهنة الرعي، "حتى أصبحنا نشتري الحليب ومشتقاته من الخارج بعد أن كان لدينا اكتفاء ذاتي".

فقد أصبح البحث عن لقمة العيش أمراً مرهقاً لأهالي القرية، فكثيرٌ منهم يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 48م عن طريق "التهريب" ما يجعلهم مثلاً لا يحضرون شهر رمضان مع أسرهم خوفاً من إلقاء القبض عليهم.