قد يبدو عنوان المقال غريباً، فالفاشلون مكانهم القيعان وليس القمم، ولكن هذا هو المصطلح الذي ارتضاه أرباب هذا الاجتماع اسماً لاجتماعهم، ورغم أن مصطلح القمة يطلق عادة على اللقاءات التي تجمع الملوك أو رؤساء الدول أو رؤساء الوزراء حسب النظام السياسي للدولة إلا أن منظمي الاجتماع أطلقوا هذا المصطلح على اسم اجتماعهم رغم أن الحضور كان على مستوى وزراء الخارجية، على كل الأحوال فإن هدف الاجتماع المعلن هو مواجهة "تهديدات إيران" كما زعموا، وربما اختيارهم لصحراء النقب التي يوجد فيها مفاعل ديمونا النووي مكاناً للاجتماع فيه رسالة لا تخطئ العين دلالتها من ناحيتين؛ أما الناحية الأولى فهي رسالة واضحة لإيران من مكمن "القوة الصهيونية النووية" أن عصا "إسرائيل" الغليظة المعدة للقضاء على التهديدات الاستراتيجية للكيان جاهزة للتعامل مع ما سموه "التهديد الإيراني"، أما الناحية الأخرى فهي دلالة واضحة على أن القوة النووية هي حق حصري "لإسرائيل" دون سواها في المنطقة.
الأطراف التي حضرت "قمة النقب" تشكل مزيجاً غير متجانس البتة في التعامل مع ملف إيران النووي، فالولايات المتحدة الأمريكية تتفاوض منذ أمد غير بعيد مع إيران وكادت مفاوضاتها أن تصل لنهايتها، وتشير المؤشرات إلى أن الأمور تسير نحو تجديد الاتفاق الذي نقضه الرئيس الأمريكي السابق ترامب لتخرج إيران منتصرة مرة أخرى من هذه المفاوضات بعدما أبدت حنكة عالية في التعامل مع العقوبات الاقتصادية تارة والضربات العسكرية المحددة التي نالتها وردت عليها تارة أخرى، وما أظن حضور وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للقمة إلا محاولة لتطمين الأطراف "المرتعدة" من "البعبع الإيراني" أما الكيان الذي احتضن القمة فموقفه "العقائدي التوراتي" تجاه أي قوة عربية أو إسلامية في المنطقة تتفوق على القوة الصهيونية هي تهديد يجب إزالته خصوصاً لو كانت تلك القوة تجاهر "إسرائيل" العداء، وبالتالي فهي المستفيد الأكبر من هذه "القمة" التي عقدتها على "الأراضي العربية المغتصبة" وحضرتها دول عربية لأول مرة.
أما الأطراف العربية المشاركة في هذه القمة فجزء منها مثلها مثل النائحة المستأجرة التي جاءت لتنوح على قضية لا ناقة لها فيها ولا جمل، فما شأن المغرب ومصر مثلاً بالمسألة الإيرانية أو ما يسمى "التهديد الإيراني" وما مصلحة كلتا الدولتين في اتخاذ موقف عدائي من إيران التي تحاول الولايات المتحدة نفسها إيجاد بعض القواسم مشتركة لها مع إيران تمكنها من التعايش الذي تفرضه المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، وكان الأولى بالمغرب ومصر أن تتبنيا سياسة الولايات المتحدة -على الأقل- في التعامل مع الملف الإيراني وليس الاصطفاف إلى جانب إسرائيل في استعداء دولة لا تناصبهما أي عداء بل إن وشائج الصداقة والتعاون هي الأظهر والأوفق للعلاقة فيما بينهم.
أما مشاركة الإمارات والبحرين في القمة لا أراها إلى محاولة للاحتماء بما تظنانه غطاء من القوة ومثلهما كالحمل الذي يحتمي بضبع من أسد لن يلبث أن يفترسه بطريقة افتراس الضباع القذرة التي تأكل فريستها وهي حية.
محاولة دول الخليج الاحتماء بقوة موهومة لدى الكيان الذي فشل في حماية أمنه من ضربات المقاومة الفلسطينية، التي كانت آخرَها عمليةُ الخضيرة وقبلها عمليةُ النقب البطوليتان، مردها شعور دائم بالخوف الملازم للغني الضعيف من طمع الطامعين، ولا يأمن على نفسه العيش إلا من خلال حماية body guard وكان الأولى بهاتين الدولتين العربيتين أن تستندا إلى جدار القوة العربية التي للأسف عملت هاتان الدولتان على تفتيتها بل وإنهائها بالمواقف الخطأ التي اتخذتاها لإرضاء الإدارة الأمريكية التي لم تأبه لاحتياجاتها المزمنة للحماية وتركتهما نهباً لمخاوفهما المرضية من القوى الإقليمية المختلفة، ولقد كانت بداية الخطايا منذ غزو الولايات المتحدة العراق والاصطفاف لجانب الولايات المتحدة في حربها المجرمة ثم التورط في مستنقع اليمن منذ خمس سنوات دون أن تجدا حتى اليوم مخرجا لهما من هذا المستنقع الآسن، وأخيراً باتفاقيات أبراهام التي لم تمنح دول الخليج إلا مزيداً من الخوف والقلق الذي زادت نسبته بإضافة الخوف والقلق الصهيوني التاريخي المصاحب للكيان منذ نشأته لوعاء القلق الخليجي الذي يكاد يطفح ليغرق الخليج كله ببحر من الرعب الوجودي، وكأنها عدوى الخوف التي نقلها الكيان- الذي يعاني أزمة وجود- ببركة اتفاقات أبراهام للخليج.
إذاً "فقمة" النقب ماهي إلا مراكمة فشل على فشل وهي "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً".