أُجريت أول أمس في الضفة الغربية المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية المحلية في الضفة الغربية، وكان من ضمنها البلديات الكبرى في الضفة، التي تشكل نتيجتها ميزاناً لتوجهات الجمهور، إلى حد ما، رغم كونها غير سياسية، وتركّز على الجانب الخدماتي، في الخطاب الدعائي للقوائم المترشحة للانتخابات.
النتائج لم تكن لصالح حركة فتح في مجملها، وقد تراجعت الحركة في أهم المدن الكبرى مثل الخليل والبيرة وطولكرم وقلقيلية، وتقدمت فقط بمقعد واحد في نابلس، أما الجهات المنافسة لها فكانت في معظمها ائتلافات وطنية واسعة ضمت إسلاميين ويساريين ومستقلين وكوادر محسوبين على فتح، لكنهم معارضين لسلطتها ولنهجها، بمعنى أن أهم قاسم مشترك بين تلك التحالفات المواجهة لقوائم فتح الرسمية كان معارضة نهجها السياسي والأمني.
السلطة وقيادة فتح استغلّت هذه المناسبة الانتخابية للترويج لنفسها بوصفها راعية للديمقراطية والممارسة الانتخابية الدورية للمجالس البلدية، على الرغم من أنها سبق وأن أقدمت على انقلاب سياسي خطير على تفاهمات وتوافقات وطنية كبيرة، حين ألغت الانتخابات التشريعية وكلّ ما كان سيترتب عليها وينبني في المراحل اللاحقة لها. أما أهمّ ما يهدم أكذوبة انحيازها لخيار المشاركة السياسية فهو أن كواليس هذه الانتخابات شهدت أجواءً سوداوية رهيبة، لم تفصح عنها الصورة المصدرة للإعلام.
تلك الكواليس تضمّنت ابتزازاً للناس في مصالحهم وأرزاقهم، وتهديدات في شتى الاتجاهات، خاصة وعامة، بإلحاق الضرر بهم في حال لم يدعموا قوائم فتح أو لم يسهموا في تفويزها، أضف إلى ذلك رشى المال السياسي الذي تَبْرع فتح في توظيفه في مناسباتها الانتخابية المختلفة، ولا يمكنها التنفس بدونه أو تحقيق أدنى تقدم وانتصار في أي موقع.
أما أجهزة السلطة الأمنية فقد تجندت بالكامل خلف قوائم فتح، دعماً ومساندة وتهديداً للناس، وكان جهاز المخابرات المدير الحقيقي للحملة الانتخابية للحركة، ووظف كل مقدراته ومقدرات السلطة للمساهمة في تفويز قوائم فتح، لأن لدى الجهاز هدفاً جوهرياً من هذه الانتخابات وهو إحكام السيطرة على البلديات الكبرى وجعلها تحت وصايته، واستكمال الهيمنة على مختلف مجالات الحياة العامة في الضفة الغربية.
ورغم حدة المعركة واستعارها، واستنفار السلطة العالي في هذه الانتخابات، فلم تكن النتائج النهائية لقوائم فتح مطابقة للآمال التي انعقدت عليها داخل السلطة، وهو ما يشير إلى أن خسارة الحركة ستكون أقوى وأعمق لو توفّرت ظروف منافسة شريفة ومتكافئة، ولو حيل بين الأجهزة الأمنية والتدخل المباشر في الانتخابات البلدية وغيرها.
ربما كانت تلزم هذه المحطة الانتخابية الكبيرة في الضفة لكي تدرك السلطة ومعها قيادة حركة فتح أن عموم الجمهور ينفض من حولها، نتيجة نهجها وممارساتها، حتى وهو يعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، وأن الوعود الكاذبة بإنعاش حاله لم تعد تجدي نفعا، ومثلها تلك الدعاية السوداء التي تمارسها السلطة ضد خصومها السياسيين بتخويف الناس من أبعاد انتخابهم للمواقع العامة، في ظل عداء الاحتلال لحركات المقاومة ومحاربة آفاق نشاطها وانتشارها.
المعنى هنا، أن حالة من الفرز ماضية في التمايز في ساحة الضفة، بين من يمثلون سلطة التنسيق الأمني ونهج التسوية المكروهَين، ومن يمثلون الحالة الوطنية، بغض النظر عن مسمّيات مكوّناتها، فقيادة السلطة ونهجها معزولان شعبيا، ولا تمكنهم سوى أدوات هيمنتهم المعروفة من سلاح وسلطة وتحكم في مصالح الناس، فيما المجموع الوطني يبدو جبهة متماسكة في مواجهة ذلك النهج المعزول، وقد تجلى تماسك تلك الجبهة عبر التحالفات السياسية والانتخابية المختلفة، والمواقف الوطنية الموحدة من القضايا العامة الأساسية.
هذا التماسك والتحالف يبدو اليوم مطلباً أساسياً في هذه المرحلة، لمنعها من التدهور وطنياً، في ظل كل ما يجري التخطيط له من الاحتلال ووكلائه، بهدف تسكين الضفة الغربية وتحييدها عن أي مواجهة قادمة، وإحكام الهيمنة على كل مجالاتها، الخاصة والعامة، وإبقاء بيئتها مرتعاً للفساد والإفساد، والخضوع والسلبية.