الحركات الثورية قد تهدأ لكنها لا تنتهي إلا بعد أن تُؤتي أكلها، والفعل الثوري مثل حركة البحر بين مد وجزر، قد يشتد في مكان ما أو زمان ما وهذا يخضع لظروف ومعطيات ومستجدات الزمان والمكان، ويُعرف هذا باستراحة المقاتل، هكذا تقول تجارب الشعوب عبر التاريخ.
وانطلاقًا من نظرية "حيث يوجد العدو يوجد الفعل الثوري"، وإسقاطًا لما سبق على واقعنا على معركتنا مع الاحتلال، فالمتأمل في فلسفة الاحتلال الصهيوني لفلسطين يجد أنه حرصًا منه على تحقيق أهدافه بالسيطرة على الأرض والإنسان في فلسطين، فقسّم فلسطين الأرض إلى أقسام، وأوجد في كل قسمٍ ظروف تختلف عن القسم الآخر من حيث صعوبة أو سهولة الحياة، وقسّم أيضًا الإنسان الفلسطيني ظنًّا منه أن ذلك ينسيه قضيته، فأوجد الفلسطيني وقسّمه إلى فلسطينيٍ عنيف وفلسطينيٍ لطيف.
ومضت سنوات والعدو (حاطط في بطنه بطيخة صيفي) مطمئنًا إلى أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ قد نسوا هويتهم، واندمجوا في تفاصيل الحياة التي أرغمهم الاحتلال عليها، لكن ذلك الاطمئنان لم يدُم طويلًا، فقد التحق والتحم أهالي فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ بانتفاضة الأقصى وتفاعلوا معها وقدموا الشهداء، فأعاد الاحتلال حساباته واستنتج أن هرمونات التخدير التي زرعها في أجسادهم وعقولهم قد فقدت مفعولها وتأثيرها، فشد عليهم الوثاق من خلال سن المزيد من القوانين التي تحد أو تمنعهم من التفاعل أو التعاطف مع ما يحدث في أراضي ١٩٦٧.
لم يخضع أهل فلسطين عام ١٩٤٨ لتلك القوانين فاستمروا في التفاعل والمشاركة والتعليق على كل حدث في فلسطين وخارجها طالما أنه يتعلق بها، ودليلٌ كبيرٌ على ذلك، الدور الرائع والبطولي لهم في معركة سيف القدس حيث جن جنون الاحتلال مما حدث فلم يكن يتصور حجم ذلك التعاطف أبدًا.
ويستمر التعاطف والتفاعل حتى ظهر أخيرًا في العملية البطولية التي نفذها الأسير المحرر في بئر السبع محمد أبو القيعان، فأسقط أربعة من الأعداء في بئر السبع.
إن ما فعله الشهيد رد فعل طبيعي لوجود القهر والظلم الناجم عن الاحتلال، فليس من شيم الشرفاء قبول الضيم والظلم ويرونه بأم أعينهم يسرح ويمرح في بلادهم ويمزق قلوبهم ودروبهم ويصفقون ويقولون له (برافو) بل يُخرجون سيوفهم من غمدها، ويستلون خناجرهم من مراقدها ويهتفون بأعلى حناجرهم، دمنا فداء للوطن.