كان لافتًا جدًّا خطاب الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي أمام الكنيست الصهيوني، ذلك الخطاب الذي لم يلقَ استجابة في بادئ الأمر حينما طلبه زلينسكي، ولكن سرعان ما استجاب الكنيست لهذا الطلب بعد عدة أيام، ويبدو أن الاستجابة جاءت بعد ضغط من الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية الغريبة التي تعد "إسرائيل" جزءًا من المنظومة الغريبة يجب أن تتخذ نفس موقف المنظومة من الحرب الروسية الأوكرانية بعد أن وجدت نفسها وجهًا لوجه في مواجهة الدب الروسي بعد حوالي ثلاثين عامًا من تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يقود المعسكر الشرقي في ذلك الوقت، وقد ظنت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة أنها قضت تمامًا على ذلك التهديد "بقتل" الدب الروسي حينذاك، وذهبت لتمتد في أصقاع الأرض البعيدة عنها آلاف الكيلومترات لتفرض الهيمنة الأمريكية على مختلف دول العالم فاحتلت العراق وأفغانستان وطاردت القاعدة في سفوح الجبال وبين الغابات والصحاري وفرضت العقوبات على إيران وحاولت تقلم أظفار الاقتصاد الصيني، لتجد نفسها وهي غارقة في غمرة هذه الأحداث في مواجهة الدب الروسي وجهًا لوجه مرة أخرى، ويبدو أن الدب الروسي اليوم أكثر حنكةً ودهاءً من سلفه فهو يدب على الأراضي الأوكرانية بخطى ثقيلة وحذرة ولكنها واثقة في نفس الوقت، ويضع شروطه على الطاولة وينتظر الإجابة تحت ضغط النيران المتصاعدة التي يرفع وتيرتها شيئًا فشيئًا وكان آخرها الصواريخ الفرط صوتية "كينجال".
الرئيس الأوكراني زلينسكي خاطب البرلمان الأوربي والألماني والبريطاني طالبًا الدعم والإسناد اللامحدود بعدِّه حائط الصد الشرقي للمعسكر الغربي ضد الهجمة الروسية التي قد تُفتح شهيتها للمزيد من التقدم غربًا إن هي نجحت في حربها ضد أوكرانيا بما يعيد للذاكرة الأوروبية سيناريو حقبة سوداء من تاريخها الحديث تثير الرعب في أوصال القارة العجوز، ولذلك أصر زلينسكي على مخاطبة الكنيست الصهيوني وكان له ما أراد.
زلينسكي في خطابه أمام الكنيست الصهيوني شبه قضية الغزو الروسي لبلاده أوكرانيا بقضية "إسرائيل" بين الأعداء العرب وعزف على نغمة المظلومية التاريخية لليهود.
ورغم أن المنطق يقول إن القضية الأوكرانية أشبه ما تكون بالقضية الفلسطينية لكونها قضية احتلال لأرض وتهجير شعب، وكان يفترض بزلينسكي أن يعزف على هذا الوتر إلا أنه لم يفعل، وفضل العزف على وترٍ آخر بعيد كل البعد عن قضيته الوطنية وهو يعلم ذلك.
إن الحكومة الصهيونية رفضت في البداية السماح له بذلك الخطاب خوفًا من أن تتأثر علاقتها بروسيا التي تعقد معها اتفاقات أمنية وعسكرية وهي ما زالت بحاجة لهذه التوافقات خصوصًا على الأرض السورية اللصيقة "بحدود الكيان" ولكن كما ذكرت في بداية المقال أنها لم تستطِع أن تخرج عن سياسة المنظومة الغريبة التي اصطفت بكل قوة خلف أوكرانيا في حربها ضد الروس فسمحت مضطرة لزلينسكي بالخطاب.
زلينسكي حينما أقدم على مخاطبة الكنيست وشبه قضية بقضية الكيان وضرب مثلًا كاذبًا بأن أوكرانيا مثل "إسرائيل" تعاني العداء الروسي كما "إسرائيل" تعاني العداء العربي، كان زلينسكي يعلم أن الكيان هو المعتدي وهو المغتصب وهو الذي يحتل الأرض ويستوطن فيها ويشرد شعبًا كاملًا من أكثر من سبعين عامًا وكان يفترض به أن يشبه قضية بقضية فلسطين العادلة، ولكن زلينسكي اعتبر نفسه جزءًا من المنظومة الغريبة التي انتهجت الظلم وقلب الحقائب والكيل بمكيالين فمارس سياستها التضليلية في خطابه وفضل أن يكون تحت عباءة القوة وليس تحت عباءة العدل لعلمه أن القوة تسبق العدل في العلاقات الدولية، ولكن من الغريب أن الموقف الفلسطيني غير واضح بل لا يوجد موقف فلسطيني رسمي ولم نسمع ردًا على خطاب زلينسكي من الجهات الرسمية الفلسطينية، وأظن أن الأمر لن يقف عند هذا الحد فالرسمية الفلسطينية لا تستطيع ولا تملك أن تتخذ أي موقف على الصعيد الدولي أو حتى العربي دون أن يكون هناك ضوء أخضر من الكيان الصهيوني أولًا ثم الإدارة الأمريكية، ويبدو أن الصمت الفلسطيني سيكسر قريبًا ليصطف إلى جانب الدول التي تدين الغزو الروسي لأوكرانيا وذلك كشرط وضعته الدول الغربية لاستمرار الدعم المالي للسلطة الفلسطينية حسب ما يتم تسريبه.
زلينسكي وأبو مازن زعيمان لدولتين محتلتين ولكن شتان بين تحرك وتصرف الرئيس الأوكراني وتجنيده كل الوسائل لحشد الدعم لقضيته ورئيس سلم زمامه ليد عدوه المحتل لأرضه ليستجديه بين الحين الآخر لقاء أو تصريح مرور أو بطاقة vip.