فلسطين أون لاين

واشنطن تذرع الأرض لحصار موسكو وبوتين: "جميع أهداف الكرملين ستتحقق "

بعد مرور 25 يوماً على الحرب الروسية الأوكرانية التي عَبر بوتين بالقول إنها عملية عسكرية خاصة ومحدودة، ورغم استطالتها، فلم يزل مُصراً على أن عمرها قصير وأنه سيحقق أهدافها كاملة بعد أن أعلن الجيش الروسي الجمعة الماضية أنه نجح في الدخول إلى مدينة ماريوبول حيث الميناء الأوكراني الإستراتيجي الذي تم حصاره منذ أيام في جنوب شرقي أوكرانيا، بالتعاون بين القوات الروسية التي قامت باجتياح البلاد بالتعاون مع القوات الانفصالية في منطقة دونتسيك.

ولكن واقع الحال يشي بأن بوتين يحاول سباق الزمن واستعادة زمام المبادرة التي بدأ بها دخول أوكرانيا بسرعة اعتقد الكثير من المراقبين أن احتلال كامل أوكرانيا لن يكلف الجيش الروسي الكثير من الزمن أو العديد والعدة، ولهذا قامت تلك الأرتال من الدبابات والآليات والمدفعية الثقيلة والصاروخية بقصف مطار رئيسي بالقرب من لفيف التي تحولت إلى ملجأ مفتوح كبير حين فر إليها الآلاف اعتقاداً بأنها مدينة بعيدة عن جبهات القتال.

لقد تأكدت الأنباء خلال الساعات الماضية بأن موسكو تخطط لحصار مدينتي كييف وميكولايف.

ورغم التفاؤل الذي بدأ يسود بعد كل جولة مفاوضات روسية أوكرانية في بيليروسيا، إلا أن حدة المعارك مع احتدام تصريحات "الإخوة الأعداء" لا تبشر بتقدم قريب ما بقيت القوات الروسية تتقدم ببطء، والمقاومة الأوكرانية تشتد.

مع أن رئيس وفد التفاوض الروسي مع كييف قال إنه لمس تقارباً في المواقف بشأن مسألة وضع أوكرانيا المحايد، مع إحراز تقدم بشأن مسألة نزع سلاح أوكرانيا.

ولكن المفاوض الروسي فلاديمير ميدينسكي أضاف بتحفظ بأن هناك اختلافات في عدد من النقاط من بينها "الضمانات الأمنية" إلى جانب إصرار موسكو على عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي.

في المقابل قال المفاوض الأوكراني، أن موقف أوكرانيا لم يتغير، وأنها تريد أن تقود مفاوضات السلام الجارية إلى وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الروسية الغازية وضمانات أمنية بعدم تكرار ذلك مرة أخرى، بل وانتقد بشكل لاذع الموقف الروسي حين قال أن الجانب الروسي لا يتحدث سوى عن مواقفه التي يريد فرضها!.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تواصل ضغطها بكافة السبل وقد قام الرئيس جو بايدن بالتواصل مع معظم قادة العالم مستخدماً سياسة العصى والجزرة في محاولة للضغط والابتزاز لحصار بوتين بدءاً بالإجراءات المباشرة ضد روسيا مروراً بالمطالبة بخطوات مماثلة من دول أوروبية وعربية وافريقية وصولاً إلى دول أميركا اللاتينية.

ولكن واشنطن لم تتمكن من ثني الموقف الصيني عن سياساته التي اتخذها حتى الآن والتي لم تتبدل وهي في جوهرها داعمة للموقف الروسي، رغم إنذارات جو بايدن لنظيره الصيني تشي جينبينغ بأن بلاده ستتكبد عواقب خطيرة إن هي أقدمت على مساعدة روسيا، بينما بقي موقف الرئيس الصيني غامضاً وقد ردد أن النزاعات العسكرية ليست في مصلحة أحد.

في الوقت الذي قامت فيه واشنطن ومن خلال وزارة التجارة الأمريكية بإدراج مئات الطائرات الروسية على القائمة السوداء بما في ذلك طائرة رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش وطائرات بوينغ لشركة ايروفلوت إنتهكت مؤخراً العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا.

كما حظرت الولايات المتحدة دخول الطائرات المصنعة فيها أو المؤلفة من 25% على الأقل من القطع أمريكية الصنع إلى روسيا دون إذن مسبق ومحدد، وغير ذلك من العقوبات الأمريكية على طائرات وأفراد من دول العالم الثالث بعدم دخول طائراتها إلى الأراضي الأمريكية أو الصيانة أو التزود بالوقود أو الحصول على قطع الغيار.

كما أن واشنطن نجحت في دفع مجلس أوروبا في اتخاذ عدد من المواقف ضد روسيا وكان أولها طرد روسيا من عضوية المجلس الذي كانت عضواً فيه منذ عام 1996، وقد علقت روسيا على ذلك بأن مجلس أوروبا أصبح أداة طيعة في يد حلف شمال الأطلسي وواشنطن لمعاداة روسيا وقد فقد سبب وجوده والأهداف التي قام من أجل تحقيقها.

ورغم النجاح التي تحققه واشنطن إلا أن هناك ثغرات ونقاط ضعف جوهرية تعتريه وتتمثل في مواقف عدد من الدول المركزية الأوروبية مثل ألمانيا التي ترفض الامتثال للسياسة الأمريكية في مقاطعة النفط الروسي بل هي تعتمد عليه تماماً وهناك دول أوروبية كثيرة لم تزل تستورد النفط الروسي.

وقد انضمت الهند لهذا الركب وقد دافع مسؤولون في الحكومة الهندية عن قرار شراء النفط الروسي، قائلين إن الدول الأوروبية لم تزل تواصل شراء المحروقات من موسكو وأن أسعار الخام المرتفعة لا تترك لنيودلهي ترف الاستغناء عن النفط الروسي بسعره المنخفض وبالروبل الروسي المتوفر وتجنباً لتجشم الدفع بأسعاره الدولية المرتفعة وبالدولار الأميركي صعب المنال دوماً.

حتى أن بولندا المجاورة التي كانت سباقه في العداء لموسكو بدأت تتحسس رأسها وتضرب أخماساً بأسداس وهي تنقسم بشأن قاعدة صاروخية أمريكية يجري التخطيط الآن لإقامتها في شمال بولندا ويقول جمع بولندي له وزنه أنه إذا احتدمت الحرب الروسية الأوكرانية واتسعت فإن تلك القاعدة الصاروخية الأمريكية ومثيلاتها في بولندا ستُمسي أهدافاً روسية، وهناك حركة بولندية تطالب بالتريث وعدم الاندلاق وفقاً لأهواء بايدن، بل ويضيفون أن على بولندا اتخاذ موقف أكثر توازناً كلما ازدادت النار لهيباً، خاصة وأن موسكو بدأت تضيف إلى مطالبها نزع قواعد حلف النيتو ليس فقط من بولندا وإنما أيضاً من رومانيا وبلغاريا وبقية دول "أوروبا الشرقية" سابقاً.

لقد أصبح في مقدمة مطالب بوتين من الغرب التوقف عن تهديد الأمن الروسي وأن ذلك خط أحمر وهو يرى الانقسامات تدب في المعسكر الغربي وذاك الوهن الذي بدأ يعتري قوام حلف شمال الأطلسي.

بوتين يحاول جاهداً – وقد نجح إلى حد كبير – استعادة الامبراطورية الروسية وهو القادم من عالم المخابرات وجهاز الـ  KGB حين ظهر إلى جانب الرئيس السابق بوريس يلتسين الذي لم يكن يصحو إلا قليلاً وقد غرق في عالم الكحول مترامي الأطراف ليجد أن بوتين قد تمكن من البلاد مسنوداً من أجهزة الدولة السوفيتية العميقة حتى وصل إلى سدة الحكم.

معارك الجيش الروسي في أوكرانيا تساهم عميقاً في إعادة تشكيل المعسكرات كونياً وعمليات الاستقطاب تجري على قدم وساق، رغب هذا الطرف أو رفض ذاك، وتجربة دول وشعوب العالم مع هذين المعسكرين هي التي ستحدد أين يذهب اتجاه الريح في الوقت الذي ستكون التطورات العسكرية للمعارك في الميدان هي العامل الحاسم في تقرير تلك النهايات.