كشف مصدر مطلع، عن تفاصيل عمليتين فدائيتين نفذها الأخوين عاصم وصالح عمر البرغوثي، وأدت إلى مقتل عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه، وإصابة آخرين بالضفة الغربية المحتلة عام 2018، والتي شكلت صدمة في الأوساط السياسية والأمنية لدى الاحتلال في حينه.
وفي التفاصيل التي نشرتها وكالة "قدس برس" اليوم الأحد، لأول مرة حول العمليتين، والتي كان تنفيذهما في سياق تاريخ العائلة المشهود له بمقارعة الاحتلال على مدار عقود متواصلة من المقاومة والبذل.
فوالدهما عمر البرغوثي (توفي 25 آذار/مارس 2021 عن عمر ناهز 76 عاما)، والمعروف بـ"أبو عاصف"، يعتبر واحدا من رموز المقاومة في فلسطين، وقضى نحو 30 عاما في سجون الاحتلال، كما أن عمهم نائل البرغوثي عميد أسرى فلسطين، الذي أمضى أكثر من 42 عاما في الأسر وما يزال.
العملية الأولى
كانت أول عملية نفذها الشقيقين عاصم وصالح البرغوثي، في 9 كانون أول/ديسمبر 2018، بإطلاق نار على مدخل مستوطنة "عوفره"، المقامة على أراضي الفلسطينيين قرب مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، وكانت باستخدام سلاح من نوع كلاشنكوف ومسدس.
وبحسب المصدر الذي تحدث لـ "قدس برس"، فقد استطاع عاصم إخفاء البندقية والمسدس، لأكثر من 13 عاما، رغم خضوعه لتحقيقات مكثف لمعرفة أي معلومات تخص الأسلحة المستخدمة في عمليات نفذها سابقا، وطول فترات اعتقاله.
وجاءت العملية بحسب المصدر الذي اطلعت "قدس برس" على تفاصيلها، برصد ومراقبة حثيثة لعدة مواقع للاحتلال، من أجل استهدافها، كان أهمها محطة توقف، قرب مستوطنة "عوفرا"، بالإضافة إلى رصد نقاط عدة لتحركات جنود الاحتلال في مستوطنتي "جفعات أساف" و"عين سينيا" في محيط رام الله، حتى وقع الهدف على اختيار مستوطنة "عوفرا".
وكانت الخطة تقتضي بأن يقود صالح المركبة، فيما يطلق عاصم النار، على أن يكون يوم التنفيذ مساء 9 كانون أول/ديسمبر 2018،
وفي الموعد المحدد، انطلق الأخوين نحو هدفهما، بعد أن أخذا جميع احتياطاتهما، حيث كان تحركهما طبيعيا وبأعصاب هادئة، وعند اقترابهما من الهدف، تلثما وأخرجا سلاحهما.
وفي الموعد المحدد لتجمع الجنود والمستوطنين في محطة الانتظار قرب مستوطنة "عوفرا"، وبعد تشاور، انطلق صالح بمركبته نحو الهدف، وكان عاصم أخذ وضعية الاستعداد لإطلاق النار، حيث تمكنا عند نقطة معينة باستهداف التجمع، بعشرات الطلقات من بندقيته الأوتوماتيكية، بشكل مباشر.
وبعد أن أفرغ عاصم المشط الأول، مباشرة تم تبديله سريعا بآخر، ليواصل إطلاق النار، لتنطلق بعدها المركبة سريعا، إلا أنه تم إطلاق النار على المركبة من جانب الاحتلال، لتخترق إحداها المركبة ويتعرض عاصم للإصابة، في منطقة أسفل الظهر، وتبيّن أنها شظية.
حاول صالح الانسحاب وفق الخطة التي تم وضعها بعناية، ليتم اخفاء ملامح العملية وأي من تفاصيلها، وتشتيت مراقبة الكاميرات، بطريقة مُحكمة، إلا أن الإصابة ونزف الدماء أدى إلى تغيير الخطة، للحفاظ على حياة عاصم.
وتم اتخاذ القرار بالذهاب إلى إحدى الصيدليات، في شارع "الإرسال" في رام الله، قد تكون بعيدة عن دائرة الاشتباه، لشراء مواد إسعاف أولي، لوقف النزيف، وبالفعل تم وقفه، لكن انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي في أرجاء المدينة ومصادر جميع الكاميرات، مكنهم من الوصول إلى الخيط الأول لمنفذي العملية.
ووصفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، في حينه، على صدر صفحتها الأولى بأن "منفذي عملية عوفرا اتسموا بالجرأة والشجاعة، ولم يردعهم وجود الجنود في المكان عن تنفيذ عمليتهم"، وأكدت أن "من نفذ العملية يعرف هدفه جيداً"، وأصيب حسب اعتراف قوات الاحتلال في العملية 11 إسرائيليا بينهم حالة حرجة.
وبعد ثلاثة أيام من تنفيذ العملية، تمكنت وحدة خاصة للاحتلال، من اغتيال الشاب صالح البرغوثي (29 عاما) يوم 12 كانون أول/ديسمبر 2018، بعد إطلاق النار عليه في قرية "سردا" شمال رام الله.
العملية الثانية
بعد استشهاد صالح، اقتحمت قوات الاحتلال، بأعداد كبيرة بلدة "كوبر" قرب رام الله، في محاولة لاعتقال عاصم، الذي استطاع الانسحاب من المنطقة بسلاحه.
وبحسب المصدر المقرب من عاصم، فقد اتخذ قرارا بعد انكشاف استشهاد شقيقه أن يصبح مُطارِدا للاحتلال لا مطارَدا منهم، وأن يأخذ بالثأر لدماء أخيه.
وكان الانتقام الأول، في منطقة "البالوع" في رام الله، حيث تمكن من إطلاق الرصاص باتجاه إحدى الحافلات التي تقل المستوطنين قرب مستوطنة "بيت إيل".
لينتقل إلى هدفه الثاني، والذي كان تجمعا لجنود الاحتلال بالقرب من مستوطنة "جفعات آساف" من وحدة اليمام الخاصة (نخبة قوات جيش الاحتلال)، حيث توجه عاصم بمركبته، متنكرا بزي مستوطن، لأقرب مكان من الجنود، حتى أن أحد الجنود أشار له بالتوقف ليقله معه، وكان يتعامل بصورة طبيعية، دون إظهار أي شكوك.
ويتابع المصدر، وبعد وصول عاصم لهدفه ترجل، من المركبة بسلاحه، حيث ظن جنود الاحتلال، أنه مستوطن، وأطلق الرصاص نحو الجنود الأربعة الذين كانوا في المكان ليسقطوا جميعا على الأرض صرعى، ولم يتحرك منهم أي جندي، ليتقدم إليهم عاصم ويطلق الرصاص على رؤوسهم من منطقة الصفر، ويغنم أسلحتهم وهي عبارة عن أربع قطع من نوع "تافور" وهو سلاح إسرائيلي الصنع.
ويضيف المصدر، خلال عودة عاصم إلى رام الله تعطلت المركبة، ليترجل من المركبة ومعه الأسلحة وقد تمكن من إخفائها، ويستقل بعدها مركبة أجرة لتوصله إلى أقرب نقطة في المدينة، حيث استطاع بعدها الوصول إلى أحد أصدقائه، ويقيم عنده.
ونقل المصدر ذاته، عن عاصم قوله إنه رأى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في منامه، وأخبره بأنه لن يستشهد في هذه الفترة رغم أن الموت سيكون قريبا جدا منه، ولكنه سيعيش وسيستشهد في معركة التحرير، حيث صلى مع الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشاهد الخلفاء أبا بكر وعمر، فأدرك أنه لن يستشهد.
ليمضي عاصم نحو 40 يوما مطاردا من قوات نخبة الاحتلال المسماة "اليمام"، ومهمتهم الرئيسية الوصول إلى أي خيط يوصل إليه، حيث كان القرار لدى هذه القوة تصفيته لحظة العثور عليه انتقاما للجنود الذين قتلهم، وهذا ما أكده ضباط المخابرات في مكاتب التحقيق أثناء استجواب عاصم، وفق وسائل إعلام عبرية.
أثناء بحثها عن شخص قدم المساعدة لعاصم، داهمت شقة بجوار الشقة التي يتحصن فيها عاصم، وبحسب المصدر فقد كان باستطاعة عاصم إطلاق النار عليهم وإيقاع إصابات مؤكدة في هذه القوة، لكن امتنع لوجود عائلة وأطفال وما قد يسبب لهم من خطورة.
وتوجهت قوة الاحتلال، إلى الشقة التي يتواجد بها عاصم، وبأعصاب باردة، حاول إخفاء شخصيته، بعد أن غير في ملامحه، لكن الصور التي كانت في حوزة قوة الاحتلال، افترضت وجود أشكال عديدة، وبدأت تساورهم الشكوك حول عاصم وشخصيته، رغم هدوءه الذي يبعد الشبهة عنه.
والتقطت قوة الاحتلال، صور لعاصم وأرسلوها للشاباك الذي لم يتأكد أيضاً من شخصيته بسبب حلاقته للحيته ولشعره، فأرسلوا ضابط الشاباك المسؤول عن بلدة "كوبر" التي يسكنها عاصم ويعرفه بشكل جيد، وعندما وصل القوة الخاصة تأكيد بأنه عاصم مع وصول ضابط الـ "شاباك" الذي قال لهم بأن عاصم عبارة عن كنز معلومات ولا يجب أن يطلق عليه النار، ويريده حيا.
وفي آذار/مارس 2019 هدمت جرافات الاحتلال منزل الأسير عاصم في "كوبر"، وبعدها بشهر هدم الاحتلال منزل شقيقه الشهيد صالح، بعد خمسة أشهر على اغتياله.
وبحسب الإعلام العبري، فقد حاول "شاباك" في التحقيق الحصول على أي معلومة من عاصم، عن نشاط المقاومة بالضفة أو الأسلحة التي غنماها ومكان إخفائها، إلا أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى أي من تلك المعلومات.
وفي 25 حزيران/يونيو 2020، أصدرت محكمة الاحتلال على الأسير عاصم البرغوثي بالسجن المؤبد أربع مرات، غير أن ثباته أثناء ظهوره الأول منذ اعتقاله لقي إشادات واسعة من الفلسطينيين.
وتفاعل الفلسطينيون على منصات التواصل الاجتماعي مع ظهور عاصم البرغوثي في المحكمة، وقد بدا قويا غير آبه بجنود الاحتلال الذين أحاطوا به.
ووصف المعلقون البرغوثي بـ "الأسد" وأثنوا على ثباته، وأشادوا بنهج المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.
ولقي فيديو ظهور البرغوثي بالمحكمة تفاعلا وانتشارا واسعا عبر المنصات، وقالت والدته إنها كانت تتوقع الحكم وإنها ستبقى أبدا فخورة به. يذكر أن البرغوثي أمضى سابقا 11 عاما في الأسر.