ثمة مؤشرات إعلامية غربية تشير إلى تعثر الغزو الروسي لأوكرانيا. ومؤشرات أخرى تفيد الدهشة من قدرات أوكرانيا على مقاومة الغزو الروسي. من المؤشرات ذات الصلة التقارير الصحفية التي تشرح كيف قتل الأوكرانيين أربعة جنرالات كبار من الجيش الروسي. وأخرى تسأل لماذا يتباطأ الهجوم الروسي، هل هو تكتيك، أم هو لشدة المقاومة؟ وتذهب التقارير للإجابة الثانية، أي شدة المقاومة وذكاء القيادات الأوكرانية. وتقارير تتحدث دور الأسلحة الأمريكية والغربية فيما يسمونه نجاح المقاومة الأوكرانية الذي فاجأ رجال التخطيط الإستراتيجي، وهنا يمدحون دور المضادات الأمريكية للدروع، ومضادات الطائرات المحمولة على الكتف، إضافة لطائرة بيرقدار المسيرة، ولعل أخطر هذه التقارير ما تضمن استنتاجات تناسب الموقف الغربي من تحليل لهجة خطاب بوتين الأخير ووصفة المعارضين الروس للحرب في أوكرانيا بالخونة، إذ يرون أن هذه اللغة هي نتاج مباشر لحالة تعثر أداء الجيش الروسي، وطول زمن المعارك، وكثرة الخسائر دون سقوط كييف، ودون استسلام الجيش الأوكراني؟!
جلُّ هذه التقارير تتناقلها وسائل الإعلام بأساليب مختلفة، وربما بتحليلات موجهة، تعتمد إستراتيجية تعدد الطرقات فوق المسمار لإدخاله في حيز العقل والوعي بنجاح، مما يؤشر نحو خطورة الإعلام في المعارك الحربية، وفي ظني أنه ثمة تفوق غربي أمريكي كبير في هذا المجال، ولا يستطيع الروس مواجهة المعركة الإعلامية بكل تفاصيلها، ويشهد على ذلك نمو التيارات الروسية المعارضة للحرب، ولسياسة بوتين، الذي ربما واجه هذا النمو باتهام المعارضين بالخونة؟!
إن المتتبع لهذه التقارير، وما تحمل من أدلة تستهدف العقل والإقناع، يجد نفسه إن كان موضوعيًّا أن المنطق يقتضي أن يتوقف عن المشاركة في التحليلات، أو أن يكون حذرًا، وأن يركز على الوقائع المادية لا على التقارير الإخبارية، وعليه نقول إنه من المبكر الحكم على هذه الحرب، وهل هي متعثرة من الوجهة الروسية، أو أنها تسير نحو تحقيق أهدافها المرسوم لها.
المؤكد لي أن العالم بعد هذه الحرب ليس هو العالم قبلها، وأن سياسة الدول الكبرى، والدول المجاورة للخوف من الدول الكبرى ستتغير باتجاه الاعتماد على القوة، وزيادة التحالفات الكبيرة تماسكا، ووصف أمريكا لبوتين بمجرم حرب هو وصف له تداعياته، وتحريك بوتين للردع النووي له تداعياته، وتدهور العلاقات الشخصية بين قادة أمريكا وروسيا، وبعض قادة الغرب له تداعياته، وهذه كلها مجتمعة ترسم الخطوط العريضة لحالة المستقبل وسياساته. ويبدو أن المسائل الاقتصادية والمالية والبنكية هي التي تقدم مؤشرات صادقة على التغيرات القادمة بشكل أفضل.