فلسطين أون لاين

حركته تخلت عن طريقه وباتت تنتهج "التنسيق الأمني" مع قاتليه

تقرير "أبو جهاد".. اسم ارتبط بالكفاح المسلح والمقاومة ضد الاحتلال

...
غزة/ ربيع أبو نقيرة:

ارتبط اسم "أبو جهاد" بالكفاح المسلح والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والثبات على ذلك النهج حتى آخر أنفاسه.

وترك الشهيد خليل إبراهيم الوزير "أبو جهاد" إرثًا مشرفًا بقيادته الكفاح المسلح ضد الاحتلال وإشرافه على العمليات العسكرية على الرغم من شح الإمكانات، مجسدًا كلماته التي لطالما رددها: "نحن نملك الإرادة التي لا تهتز بأي حال من الأحوال، نملك إرادة الإصرار على استمرار القتال والدفاع عن النفس بكل الوسائل".

وولد "أبو جهاد" في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1935 بمدينة الرملة، وهجرته العصابات الصهيونية مع عائلته كمعظم أبناء شعبنا تحت تهديد السلاح وهو في الثالثة عشرة من عمره عام 1948، حيث استقرت العائلة في مدينة غزة.

وانضم "أبو جهاد" لجماعة الإخوان المسلمين عام 1951 وأصبح مسؤول مكتبها الطلابي في غزة، وعضو تنظيمها السري العسكري، وشرع في تنظيم عمليات ضد مواقع للاحتلال قرب غزة بصبحة عدد من شباب الإخوان، والتحق بمعسكر التدريب الذي أقامته رابطة طلاب فلسطين في مصر بعد الاعتداء على غزة عام 1956، وقدَّم مشروعًا لقيادة الإخوان المسلمين في قطاع غزة صيف عام 1957، يقوم على إنشاء تنظيم مقاوم يحمل شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح.

درس "أبو جهاد" في جامعة الإسكندرية ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجه إلى الكويت وهناك تعرف على ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة فتح، وفي عام 1963 انتقل إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب للحركة تولى هو مسؤوليته.

وفي الجزائر حصل على إذن يسمح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين هناك.

خلايا داخل فلسطين

وفي عام 1965 غادر "أبو جهاد" الجزائر إلى دمشق، حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، وشارك في حرب 1967، ووجه عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال في منطقة الجليل الأعلى.

وتولى "أبو جهاد" المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة، وعكف خلال توليه قيادته في الفترة بين 1976-1982 على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة الفلسطينية، كما كان له دور بارز في قيادة معركة بيروت عام 1982 التي استمرت 88 يومًا خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

وبعد حصار بيروت في ذلك العام، اتجه "أبو جهاد" مع قيادات وعناصر الثورة الفلسطينية إلى تونس؛ حيث مقر منظمة التحرير ومكان إقامة أسرته، وبات يتنقل بين عدد من العواصم العربية لمتابعة أحوال القوات الفلسطينية المنتشرة هناك.

وشغل "أبو جهاد" مواقع قيادية عدة، فكان عضو المجلس الوطني خلال معظم دوراته، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ونائب القائد العام لقوات الثورة آنذاك.

وأشرف "أبو جهاد" على الكثير من العمليات العسكرية ضد الاحتلال وشارك في تنفيذ عدد منها، وأبرزها عملية نسف خط أنابيب المياه "نفق عيلبون" عام 1965، وعملية فندق "سافوي" في (تل أبيب) وقتل 10 إسرائيليين عام 1975.

كما أشرف على عملية انفجار الشاحنة المفخخة في القدس عام 1975، إضافة إلى عملية "الساحل" بقيادة الشهيدة دلال المغربي التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيليا عام 1978، وعملية قصف ميناء "إيلات" أم الرشراش عام 1979، وقصف المستوطنات الشمالية بصواريخ من نوع "كاتيوشا" عام 1981.

ويُحمّل الاحتلال الشهيد "أبو جهاد" المسؤولية عن أسر 8 من جنوده في لبنان ومبادلتهم بـ5 آلاف معتقل لبناني وفلسطيني وعربي، وكذلك وضع خطة اقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، الأمر الذي أدى إلى مصرع 76 ضابطًا وجنديا بينهم 12 فردا يحملون رتبًا رفيعة عام 1982، وعملية مفاعل "ديمونا" عام 1988 التي كانت السبب الرئيس لاغتياله، بحسب مصادر إسرائيلية.

اغتيال القائد

واغتال الاحتلال القيادي "أبو جهاد" في منزله بتونس في 16 أبريل/ نيسان 1988، بالتزامن مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

ومن أقوال "أبو جهاد" عندما قادت دلال المغربي إحدى العمليات الفدائية واستشهدت داخل الأرض المحتلة: "كونوا خولة في الثبات، وكونوا دلالًا في الجهاد والفداء"، كما كان يردد دائما قول الصحابي الجليل خالد بن الوليد: "إن أمة يتدافع أبناؤها للشهادة أمة لا تعرف الهزيمة".

وعرف عن "أبو جهاد" وضوحه في الحفاظ منذ البداية على اتجاه الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وبقي كذلك حتى استشهاده، إلا أن حركته بقيادتها المتنفذة في رام الله تخلت عن المقاومة المسلحة، وباتت تنتهج سياسة التنسيق الأمني مع قاتليه.

وفي مقال للمحامية فدوى البرغوثي زوجة الأسير مروان البرغوثي، أوضحت فيه أن زوجها "أبو القسام" يُصرُّ على أن مضمون السطور الأولى في الرسالة الأخيرة التي كان يكتبها "أبو جهاد" لحظة اغتياله كانت ولا تزال سارية المفعول، وعنوانها "لنستمر بالهجوم.. لنستمر بالانتفاضة".

وقالت إننا نستمد من مسيرة "أبو جهاد" الثقة بالنفس وروح التضحية والفداء والإرادة والعزيمة الفولاذية والحكمة في خوض النضال، وإن الاحتفاء بها يكمن في الوفاء لمبادئ القادة الكبار والسير على خطاهم والارتقاء إلى مستوى تضحياتهم والاستفادة من تجاربهم.

أما الكاتب الفلسطيني سري القدوة اعتبر الشهيد "أبو جهاد" في مقال له "ثورة في رجل"، وقال: "أبو جهاد ملهم الثورة ورمز الكفاح الوطني الفلسطيني التحرري، كان الحاضر دائما بحضوره وشخصيته وروعته وخطواته الواثقة وكلماته الحية، لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة".

وفي مقال للكاتبة الأردنية لميس اندوني عن سبب اغتياله، قالت: "سياسيا واستراتيجيا فهم الإسرائيليون أبو جهاد جيدا، ولهذا كان لا بد من التخلص منه، ليس لأن الرصاص أو الحجر الفلسطيني سيؤدي الى إبادة (إسرائيل) بل لأن فكرة المقاومة واستمراريتها تهدد شرعية دولة لا تستطيع بكل ترساناتها العسكرية القضاء على شاهد جريمتها".