إطلالة سريعة على الأحداث الجارية مؤخرًا في الساحة الفلسطينية تترك انطباعًا لدى أصحاب النظرة الثاقبة بأنها تعيش حالة من التدافع السياسي والميداني، وأن رمال فلسطين المتحركة لم تستقر بعد لكيان الاحتلال، ولم يشعر مستوطنوه الغرباء عن هذه الأرض بطعم الراحة رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على احتلال الأرض الفلسطينية، وأن هواجس الخوف من ثورة فلسطينية مقبلة، ما زالت تسيطر على عقول المحتلين.
فكيان الاحتلال الذي أضحى مَهْوَى قلوب المُطبّعين يُدرك قادته جيدًا أن الشعوب العربية والإسلامية ما زالت تتمسك بتحرير القدس وفلسطين، وأن أي مواجهة مقبلة مع الفلسطينيين يمكن أن تُبدد أحلام الصهاينة وتُحبط مخططاتهم بإقامة تحالف شرق أوسطي يأتمر بقرار الكيان ويوفر له سطوة عسكرية على المنطقة العربية، وهيمنة اقتصادية على موارد العرب من المحيط إلى الخليج، ويوقن قادة الاحتلال أيضًا أن حدثًا مفاجئًا في باحات المسجد الأقصى، أو أزقة بلدات القدس ومخيمات الضفة يمكن أن يُشعل شرارة انتفاضة فلسطينية عارمة، تعيد تصحيح بوصلة العلاقة بين الشعوب العربية التي تعادي المحتل وبين كيان الاحتلال إلى مسارها الصحيح.
ففي الوقت الذي يسارع فيه الاحتلال جاهدًا لاستباق الأحداث، وتعزيز قوته السياسية والعسكرية، من خلال حراك تتعدد خطواته، فرئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت ورغم ضعفه يحاول لعب دور الوسيط في الأزمة الروسية الأوكرانية، ورئيس الكيان يقوم بزيارة إلى أنقرة لإنهاء التوتر مع أردوغان، ورئيس الشاباك الصهيوني يصل إلى واشنطن، في ذات الوقت الذي يجتمع فيه رئيس أركان جيش الاحتلال مع قائد الجيش الأمريكي في مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في المنامة، في مساعٍ حثيثة لتشكيل تحالف عسكري وأمني بقيادة كيان الاحتلال في المنطقة العربية.
وفي فلسطين المحتلة يلتقي وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد القيادي في حركة فتح حسين الشيخ الذي استقبل مديرة مكتب وزير حرب الاحتلال بيني غانتس ومنسق عمليات جيش الاحتلال في الضفة بهدف تعزيز العلاقة الأمنية مع السلطة الفلسطينية، والعمل المشترك على تهدئة الشارع الفلسطيني، والاتفاق على رزمة تسهيلات اقتصادية يقدمها كيان الاحتلال للسلطة مقابل استمرار تعاونها الأمني مع جيش الاحتلال، إلى جانب لقاء لابيد بالملك الأردني في عمّان بهدف العمل المشترك على تهدئة الأوضاع الميدانية في القدس، خوفًا من تصاعد الأحداث فيها وعودة المواجهات مع الاحتلال من جديد في رمضان المقبل في باحات الأقصى.
من يتابع الحراك الصهيوني المكثف، يلحظ مخاوف حقيقية للاحتلال من اشتعال المواجهة مع الفلسطينيين، فالمؤشرات الميدانية تشير إلى تنامي غضب الشارع الفلسطيني، وأن نيران انتفاضة شعبية تشتعل تحت الرماد، فبينما يتشبّث أهل النقب بأراضيهم في مواجهة مخططات الاحتلال، شهد الأسبوع الماضي ارتقاء أربعة شهداء فلسطينيين، في حين رُصِدت 86 نقطة اشتباك بأشكال متعددة بين الشبان الفلسطينيين والاحتلال في الضفة والقدس، منها عمليتا طعن، وعملية دهس، و10 عمليات إطلاق نار، و14 عملية إلقاء عبوات متفجرة وزجاجات حارقة، أدت إلى إصابة 9 جنود ومستوطنين صهاينة، وبحسب تقرير أصدره المكتب الإعلامي لحركة حماس في الضفة مطلع العام 2022، فإن عدد العمليات المؤثرة في الضفة المحتلة في عام 2021 بلغ (441) عملية، مقابل نحو 100 عملية في عام 2020، في إشارة واضحة إلى فشل جيش الاحتلال في استئصال جذوة المقاومة في الضفة، رغم حملات الاعتقال التي ينفذها على مدار الساعة ضد الفلسطينيين، والتي بلغت في فبراير الماضي (493) حالة اعتقال من بينها (49) طفلًا و(24) امرأة وفتاة فلسطينية بحسب وزارة الأسرى والمحررين.
مخاوف الاحتلال من اشتعال المواجهة مع الفلسطينيين في رمضان المقبل، وتكرار مواجهة مايو 2021 حين أمطرت المقاومة في غزة مدن الاحتلال بمئات الصواريخ على مدار أحد عشر يومًا، دفعته لاتخاذ قرار بتجميد هدمه لمنازل الفلسطينيين شرقي مدينة القدس والنقب المحتل، وهي مخاوف حقيقية بالنظر إلى تصاعد عمليات المقاومة في الضفة والقدس.
ختامًا ومع تسارع الأحداث، وإرهاصات اشتعال انتفاضة فلسطينية في المستقبل، وتصاعد عدوان المستوطنين في الضفة والقدس، وانحراف السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن دورها الوطني في حماية الفلسطينيين، ومساعي الاحتلال لتهدئة الشارع الفلسطيني، خوفًا من اشتعال المواجهة في شهر رمضان، تواصل المقاومة الفلسطينية إعدادها واستعدادها، للمواجهة المقبلة مع الاحتلال، دفاعًا عن الشعب الفلسطيني الأعزل، في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل، وكذلك في مخيمات اللجوء والشتات.