ضمن العقوبات الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال في فلسطين، إضافة إلى حملات الاعتقال ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات ومنع البناء في القدس وأراضي الضفة الغربية المصنفة "ج" بحسب اتفاقية أوسلو سيئة الذكر، وهضم نصف الخليل بحسب اتفاقية الخليل الهزيلة، واستمرار اعتقال أكثر من ٥٠٠٠ فلسطيني ومنع السفر الذي يطال آلاف المواطنين، إضافة إلى حصار غزة، ومنع الأهالي من القطاع والضفة الغربية من الدخول إلى مدينة القدس للصلاة في المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، وليس انتهاء بالإعدام الميداني واقتحام المدن الفلسطينية المصنفة "أ" بحسب أوسلو والتي تخضع لسيادة أمنية وإدارية للسلطة الوطنية الفلسطينية، ومنع الانتخابات البرلمانية والرئاسية وملفات التعاقد الاقتصادي ضمن آلية اتفاقية باريس المهينة.
نسلط الضوء اليوم على ملف يظهر حجم العنصرية والتجاهل للمواثيق الدولية، إنها الثلاجة التي يستخدمها الاحتلال وكثف استخدامها في انتفاضة القدس ٢٠١٥ باحتجاز جثامين الشهداء فيها بعد الإعدام المباشر لهم.
في ثلاجات الاحتلال شهيدات وشهداء تم قتلهم بدم بارد على حواجز عسكرية وبالقرب من الحرم الإبراهيمي في الخليل والمسجد الأقصى في القدس ومداخل المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين.
هناك حيث تلك الثلاجات التي تحتجز فلذات أكباد أمهات تستفيق كل صباح على ألم الحرمان من قبلة الوداع أو وقفة وفاتحة عند قبر له عنوان.
العقوبات الجماعية التي تمارَس في هذا الجانب تستهدف المعنويات والحياة النفسية للأمهات والآباء الذين حينما تلتقي معهم وتسألهم عن أمنياتهم يبدؤون بما يرونه المستحيل وهو عودة جثمان ابنهم ودفنه في مقبرة البلد، تخاف الأم في البرد والشتاء من هذه الأجواء لتتذكر كيف يعذب جسد ابنها في قهر ظلمهم وثلاجاتهم.
وفي أيام أخرى لكم أن تتخيلوا أن أمهات الشهداء يكرهن الثلاجات في منازلهن لأنهن يعانين صقيع القهر على أجساد الأبناء الذين بعد القتل قتلوا مرات ومرات.
بالرصاص وإخفاء الجريمة ومنعهم من رؤية الشهيد والاحتجاز في الثلاجة وعدم التحقيق والمطالبة الدولية بالضغط على الاحتلال والتخوف من سرقة الأعضاء ومحاولة الابتزاز للأهل من أجل تسليم الجثمان وتارة تحديد الأعداد المشيعة له كما في القدس.
لكم أن تتخيلوا حجم الألم والضغط النفسي على والدين فقدا فلذة كبد وما زال المصير مجهولا والملف مفتوحا والمحاسبة للمجرم شعارا والألم والقهر واقعا.
وحينما حاول كثير منهم أن يتوجهوا لمحكمة الجنايات الدولية قيل لهم إن جهدكم سيكون عبثا إن لم تقدم السلطة الفلسطينية الملف رسميا للمحافل الدولية.
فهو إذاً الانتظار.. الكلمة التي لا يدرك وقع مرارها إلا أولئك الذين يعتصمون وينظمون المسيرات لاسترداد جثامين الأبناء لا دعم وحشد لهم إلا أنفسهم وبعض من لم يلف الصقيع ضميره بعد..
زاوية مرار هنا في هذا النوع من العقوبات الجماعية يأخذنا إلى زنازين وقيد وحرمان عقود من الزمن للأسرى، ويزيد فوق القهر قهرا احتجاز جثمان أسير ليكون اعتقل مرتين؛ مرة في حياته ومرة في استشهاده وليبقى بين زنزانة وثلاجة.
بين تجاهل رسمي لوضع حد لهذه المجزرة الإنسانية واستمرارية ميدانية للاحتلال وعنصريته، وبين دمعة لا تجف كل صباح من أمهات يرقبن يوما تعاد لهم قلوبهم التي اختطفها تلون العالم ونفاقه وخوفه ومصالحه أمام بطش محتل لشعب ينشد حريته.