الاجتماع الذي عقدته لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية بحضور قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، ووجهاء ومخاتير، ورؤساء منظمات أهلية وممثلات عن منظمات واتحادات نسائية، وشخصيات وطنية وازنة، وذلك في حديقة العودة بمنطقة ملكة، شرق مدينة غزة في قطاع الصمود والرباط بالقرب من السلك الشائك الزائل والجدار البائس الذي شُيد مؤخراً عَساه يحمي الكيان الغاصب من غضب الزاحفين نحو وطنهم.
اجتماع يحمل دلالات كبيرة وغير مسبوقة ترمز وبخطوط محفورة في أسفار التاريخ الوطني الخالد أن الشعب الفلسطيني واحد موحد، وأن الوطن فلسطين هو الموئل الطبيعي لكل أبنائه من الناقورة شمالاً حتى أم الرشراش جنوباً ومن النهر على طوله شرقاً حتى البحر غرباً، تراباً مقدساً طهوراً غير منقوص.
ويشكل هذا الاجتماع التاريخي وفي المؤتمر الصحفي الذي تلاه، إعلان تأسيس الهيئة الوطنية لدعم وإسناد فلسطينيي الداخل منذ احتلال جزء عزيز من فلسطين عام 1948.
ويأتي هذا الاعلان استكمالاً لمحطات هامة سبقته حين التقت فصائل ثلاثة محورية في النضال الوطني الفلسطيني، وهي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد أصدرت بيانها المشترك الذي يؤكد خطورة المرحلة التي يتصاعد فيها الاستيطان لما تبقى من الأرض المقدسة وتسارع هذا الخطر الداهم، والتدنيس اليومي لقبلة المسلمين الأولى وبوابة السماء على يد المستوطنين الصهاينة وقوات وشرطة العدو، ومشروع تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل اليهودي الثالث المزعوم مكانه.
وفي هذه اللحظات الفارقة تنادت هذه الفصائل الثلاثة وأكدت ضرورة عقد اجتماع عاجل للأمناء العامين لفصائل الثورة وممثلي الشعب وهيئاته وجمعياته الوطنية لتشكيل مجلس وطني فلسطيني انتقالي وهيئة قيادية وطنية تقود المرحلة حتى إجراء الانتخابات التي تؤسس على نحو ديمقراطي هيئات شرعية تمثل الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده ببرنامج وطني يعلي المقاومة بكل أشكالها لمواجهة المخاطر المحدقة بالثوابت الوطنية وحتى تحرير التراب الوطني من رجس آخر احتلال في التاريخ وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.
لقد جاء الإعلان عن تأسيس الهيئة الوطنية لدعم وإسناد فلسطينيي الداخل، استكمالاً لهذا الحراك العظيم الذي يعبر عن هموم وتطلعات شعبنا المناضل واستكمالاً لخطوة الفصائل الثلاثة وللإمساك بزمام المبادرة ولسحب البساط من تحت أقدام تلك الزمرة المتخابرة في مقاطعة عار صك إذعان أوسلو في رام الله المحتلة والإعلان جهاراً نهاراً هذه المرة، أن الشعب وقيادته المختبرة المؤتمنة والمقاومة قد رفعت الغطاء عن هذا الطابور الخامس وأنها تشق طريقها عميقاً نحو المستقبل الواعد بالحرية والانعتاق.
وجاء هذا الإعلان ليبشر ويؤكد أن الشعب الفلسطيني واحد موحد، وأن أبناء الشعب المنزرعين في وطنهم في مناطق عام 1948 إنما هم مكون أصيل صامد مقاوم داخل جوف الحوت وقد أضحوا رقماً صعباً مهما حاول أزلام أوسلو التنكر له ونفيه من الخارطة الوطنية.
ومعلوم أن صك إذعان أوسلو يُخرج ما يقارب مليون ونصف مواطن فلسطيني من أهلنا في عكا وحيفا ويافا والناصرة واللد والرملة وكل مدن وقرى المحتل من فلسطين ويصنفهم بأقلية عربية وجزء من كيان نازي مسخ يعترفون به على مساحة أكثر من 78.4% من الوطن.
ويشكل هذا الإعلان ضربة قاصمة لخطط سماسرة مقاطعة رام الله وما يرتكبونه من جرائم يومية من قتل وتنكيل بمجاهدي فصائل المقاومة الحية والفاعلة، ونشطاء شعبنا الفلسطيني في قدس الأقداس وفي الضفة المحتلة.
ولا شك أن هذه الخطوة المباركة تأتي تتويجاً لما أكده هذا الشعب العظيم بحراكه الكبير إبان معارك سيف القدس المجيدة، حين خرج على بكرة أبيه في كل فلسطين وعلى امتداد ترابها الطهور يدافع عن أرضه ويسند مقاومته الباسلة التي مرغت أنف العدو في الوحل بالصواريخ التي انطلقت من غزة العزة لتهز أركان الاحتلال النازي الغاشم، والتي أعادت للشعب وحدته وكرامته وألقه الخالد، وأنه منتصر بهذا التماسك والتكاتف والجهاد.
لقد رحبت جماهير شعبنا الفلسطيني في كل مكان بهذه الخطوة العظيمة، وأعلنت دعمها لها وإسنادها بكل خطواتها واستعدادها للمشاركة في مفاعيلها وتقديم كل التضحيات مهما غلت كي تجسد الوحدة حقيقة ناصعة كالشمس.
وفي الداخل المحتل اعتبر شعبنا الفلسطيني هذا الإعلان خطوةً رائدةً مشرفة، وأنه جزء لا يتجزأ من الشعب الواحد، ففي قرية اللقيا في النقب، ثمنت هدى أبو عبيد هذا التحول النوعي، وأكدت أن النقب في قلب الشعب الفلسطيني، وأكدت ضرورة الحفاظ على حالة النضال والتوحد في مجابهة الاحتلال.
في الوقت الذي أشار فيه عزيز صباح من قرية العراقيب، أن تشكيل الهيئة يؤكد وحدة الأرض والشعب والقضية.
ولم يكن صدفة أن يعقد هذا اللقاء الجامع على تخوم جزء عزيز من الوطن المحتل عام 1948، فهو امتداد لفعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار التي انطلقت من ذات المكان الذي شهد تحدي الشعب واستعداده اللامحدود للتضحية من أجل استرداد حقه المقدس في العودة إلى مدنه وقراه والتي أعادت الزخم للقضية الوطنية الفلسطينية وأضحت على أجندة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي ودول عدم الانحياز والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
إن خطوة غزة وفصائلها المقاومة تعلن أن شعبنا في الداخل المحتل ليسوا وحدهم وأن الدفاع عن حقهم في العيش أحراراً في وطنهم الحر السيد يتطلب إقامة هذه الهيئة كإطار جمعي لشتات شعبنا الفلسطيني الذي قسمته الجغرافيا بفعل جرائم الاحتلال وتآمر النظام العربي الرسمي داخل الوطن وفي أقطار اللجوء والشتات، ولا يتأتى ذلك إلا بالوحدة الوطنية وحقن الحياة في منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح وعن جدارة الممثل الحقيقي والشرعي فعلاً لكل شعبنا الفلسطيني، وقد تمثلت فيه وعبر الانتخابات الحرة والشفافة كل فصائل الثورة التي تقدم الغالي والنفيس وخيرة أبنائها دفاعاً عن ثوابت الشعب المقدسة.
وأثبتت غزة وفصائلها المناضلة، كما أكدت ضفة يعبد القسام وحارات وأزقة مدن فلسطين في يافا واللد وعكا والنقب الثائر، وقدس الرباط، وحدة ميادين المجابهة لهذا العدو الغاصب، والتي تخصبها كل يوم دماء الأبناء البررة لهذا الشعب العظيم الذي قرر النصر وهو ماضٍ إليه وسينجزه قريباً إن شاء الله.