فلسطين أون لاين

يكرس حياته في تطوير الفرق الرياضية

بالصور في "نادي السلام" ظريف الغرة يزيل الفجوة بين الرياضة وذوي الإعاقة

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

اهتزت الكرة التي رماها المدرب في منتصف ملعب كرة السلة فدوى صداها من جهات الصالة المغطاة الأربع، معها تسارعت عجلات كراسٍ متحركة يجلس عليها شبابٌ وفتيات انقسموا إلى فريقين نحو اصطياد الكرة، لكل واحدٍ منهم قصة مختلفة مع البتر والإعاقة، لكنهم الآن يخوضون مباراةً تجريبية استعدادًا لخوضِ مباراةٍ حاسمة في دوري كرة السلة، وهم يطمحون بالظفر بالبطولة للمرة الرابعة.

خطف اللاعب حسام القلزين الكرة من يدي منافسه بالفريق الآخر، وانطلق مسرعًا نحو ملعب الخصم؛ ثم توقف على عتبات دائرة ثلاثية، رفع يديه للأعلى حينما تعامدت نظراته على الشبكة، وأطلق لها العنان لتفارق يديه بعدما رماها، في ذهول أمسكت شيماء الكرة من أسفل الشباك وهي تنظر إليها تسقط بين ذراعيها  بعدما نجح حسام في وضع الكرة في الشباك، معه ارتفعت صيحات فريقه.

يجلسون على كراسٍ متحركةٍ مخصصةٍ لهذه اللعبة، أمامك شباب وفتيات من ذوي الإعاقة يغمرهم الفرح انقسموا لفريقين داخل الملعب، فقدوا جزءً عزيزًا من أجسادهم كشجرةٍ مات غصنها ركلوا ذكريات مؤلمة وخرجوا من قوقعة الإعاقة يركضون نحو أحلام عالمية، لكن خلف كواليس مشهد الفرح هذا هناك "صناع أمل" زرعوا زهرة فرحٍ في حضن الألم، وعوضوا المبتورين أجزاءهم المفقودة! وأنبتوا زهرة الأمل من بين ركام ألم الإعاقة،  

ذاك الرجل يتكئ على عُكّازين، يبدوان أقوى من ساقيه وهو يسير ببطءٍ شديد وكأنَّه يجرُّ حجارةً خلفه، حتى وضعَ عكازيه على الحائط وجلس على المقعد، ارتمت ابتسامةً إلى وجنتيه، سعيد وهو يرى صليلَ السعادة تدق أجراسها على ملامح اللاعبين أمامه.

إرادة غلبت الشلل

ظريف الغرة أصيب بشللٍ بالأطراف السفلية إثر إصابة تعرضها لها عام 2000، أقعدته ثلاث سنوات على كرسي متحرك، لكن "إرادته غلبت الشلل واستطاع المشي البطيء على عكازين"، نظر إلى الواقع حوله ولاحظ "فجوة كبيرة بين ذوي الإعاقة وممارسة الرياضية"، فبزغ نجم الفكرة بداخله وأسس مع رفاقه "نادي السلام" لذوي الإعاقة.

لم يملك ظريف ورفاقه أي من مقومات النجاح سوى الإرادة، صورة من ذاكرة البداية تقفز إلى حديثه، انطلقت معه ضحكة: "كانت أول فرحة لنا حينما حصلنا على تبرع بطاولة تنس وكأننا امتلكنا الكون، ثم تطورت حتى وصلنا الآن لنادٍ كبير من الأندية المعروفة بفلسطين وحتى على مستوى الشرق الأوسط".

نظرة بزاوية 360 درجة يدور معها رأسه، ترافق عبارات الفخر كلماته "لدينا صالة مغطاة هي الأولى من نوعها تخدم ذوي الإعاقة كانت عبارة عن حلم أصبح واقعًا يضم 65 لاعبًا ولاعبةً، وعيادة بجواره تقدم خدمات صحية للمعاقين حركيًا، ومدرسة "شمس الأمل" للطلاب ذوي الإعاقة الشديدة الذين لا يستطيعون الدراسة بالمدارس العامة وتضم 120 طالبًا".

بريق الفخر يتوهج من عينيه، وكأن حبة القمح شقت ابتسامة في سنابل وجنتيه؛ عبارات الفخر ترافق صوته: "حصلنا عام 2015م على أفضل ناد لذوي الإعاقة على مستوى قطاع غزة، وأفضل ناد عام 2018 على مستوى فلسطين، ولدينا تسع ألعاب رياضية، حصلنا على لقب دوري كرة السلة ثلاث مرات متتالية ومرة للكأس وكأس السوبر".

 فلسفة ظريف في العمل حقوقية وليست رياضية فقط، فـ "الرياضة حق من حقوق ذوي الإعاقة أقرها القانون الفلسطيني الأساسي والاتفاقيات الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة".

 "ثم اكتمل الحلم بإنشاء استراحة مواءمة لذوي الإعاقة على شاطئ البحر، بعدما كنا في السابق نعيش معاناة كبيرة حينما ننظم رحلة فننقلهم بواسطة مركبات دفع رباعي للشاطئ، لكنهم الآن يستطيعون الوصول للشاطئ بسهولة في استراحة تعد من المعدودات على مستوى الشرق الاوسط تضم ملعبًا رياضيًا ومرافق، ومطعم، وممرات تخترق الرمال".

صناعة الأمل .. كم له وقع خاص في حياتك!؟ .. داهمه السعال، قبل أن تطأ عتبة البوح فمه مجيبًا: "حياتي مكرسها لذوي الإعاقة لتحقيق ذاتهم فأقضي معظم وقتي هنا، وكلما حققت هذا الهدف كلما كنت أكثر ارتياحًا وهذا أجمل شيء، علما أنها كلها حياة تطوعية بدون أي دخل مادي".

لكن خلف هذا الأمل هناك شركاء، يلقي نظرة أكثر قربًا يعيد الفضل لأصحابه قائلا: "لا يمكن الحديث عن صناعة الأمل دون ذكر دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فهي شريكة بكل نجاح، وبكل ضحكة مرسومة على هؤلاء الشباب، غيرت واقع الرياضة على الصعيد اللوجستي والفني، ففي نادي السلام وفرت لنا 25 كرسيًا متحركًا وهي باهظة الثمن لا نستطيع توفيرها، قامت ببناء أرضية الصالة، وبتشغيل استراحة المواءمة، وتوفير مشاريع للعشرات لهم خلال مشاريع "التمكين الاقتصادي" التي غيرت حياتهم، إضافة للتدريب الفني باستقدام مدرب أمريكي تطور أداء مدربينا الفني ولذلك بتنا أفضل نادي في كرة السلة".

صانع أمل

يتجه نظره نحو الملعب، يستعرضُ بعضًا ممن أعيد لهم الأمل، يتوقف عند حسام القلزين الذي جاء طفلا بعمر ثلاثة عشر عامًا ودرس بمدرسة "شمس الأمل" ثم احتضنه وأصبح الآن يبلغ اثنين وعشرين عامًا، وقد أصبح لاعبًا محترفًا حصل على هداف دوري كرة السلة لثلاثة أعوام، وأفضل لاعب في بطولة "حنا لحود" في لبنان عام 2019م التي نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وشاركت بها خمس دول عربية حصلت فلسطين على المرتبة الثالثة.

كبر حلم حسام بعدما تطور مستواه وحصل على لقب هداف الدوري ثلاث مرات، تلمح في عينيه نظرة أمل أيضًا ينبعث من صوته "أصبحت الآن أمثل بلدي فلسطين في بطولات رياضية دولية، حينما أمثل فلسطين أشعر بشيء عظيم، أفتخر أن لي بصمة في رفع اسم بلدي في المحافل الرياضية العربية وأتمنى أن نشارك في مسابقات عالمية وأتوج بلقب هداف البطولة".

شيماء حمدان (20 عامًا) أحدث اللاعبات المنضمات لنادي "السلام"، والتي تعاني شللا بالأطراف السفلية، لم تكن الرياضة بالنسبة لها مجرد ترفيه عن النفس، تترك الابتسامة لتغازل شفتيها وهي تفتح قلبها "معظم وقتي كنت أمضيه بين مدرستي وغرفتي معزولةً عن العالم الخارجي، لكني عندما جئت إلى النادي تعرفت على الشباب والفتيات والإدارة، وأصبحت اجتماعيةً أكثر".

أكملت شيماء دراستها الجامعية تخصص "سكرتارية طبية"، وتطوعت بإحدى العيادات الحكومية وكان للرياضة الفضل في ذلك، انطلقت كلماتها بكل ثقة "لم أكن ضامنة لمستقبلي، لكن لدي الآن عشرات الأصدقاء اللاعبين، وهذا كله جاء عن طريق الرياضة، كنت أعتقد أن وضعي صعب، لكن حينما شاهدت أن هناك من هم أسوأ مني حالاً هانت علي مصيبتي".

يحاول هؤلاء الشباب والفتيات تعويض أجزاءهم المفقودة، تنبت زهرات الأمل داخل قلوبهم، ترويها إرادةٌ يتحدون فيها إصابتهم وإعاقتهم، تلك الإرادة التي ظن الاحتلال الإسرائيلي أنه أطلق عليها رصاصة الرحمة حينما تسبب بإعاقتهم وبتر أقدامهم وأيديهم، يثبت هؤلاء الشباب أنهم تغلبوا على الإعاقة وبات لكل واحدٍ منهم حلمًا بأن يمثل فلسطين في  المسابقات العالمية.

يكرس ظريف حياته في تطوير الفرق الرياضية، فيقضي معظم وقته في النادي أو بمرافقة الفرق الرياضية لكرة القدم والسلة وطاولة التنس، يحضر المباريات الودية ومنافسات دوري كرة القدم، "حياتي مكرسها لذوي الإعاقة لتحقيق ذاتهم فأقضي معظم وقتي هنا، وكلما حققت هذا الهدف كلما كنت أكثر ارتياحًا وهذا أجمل شيء".. خرجت تلك الكلمات من فمه ترافق صوته ابتسامة.

 رافقنا ظريف بعدما انتهينا من اللقاء السابق في الصالة المغطاة لنادي السلام، إلى ملعب فلسطين الدولي لكرة القدم حينما أشارت الساعة إلى الرابعة عصرًا وعقربها توقف عند المنتصف، نزل الفريقان "نادي السلام" لمواجهة نادي "الجزيرة" لكرة القدم لذوي البتر.

الكثير من الشباب أمامك فقدوا أطرافهم جراء إصابتهم برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال مشاركتهم في مسيرات العودة لكنهم لم يتخلوا عن حلمهم مع الساحرة المستديرة.

وكرة القدم لذوي البتر لعبة لها قوانينها عالميا ومنها: احتساب مخالفة في حال استعمال العكاز في رمي الكرة أو لمس الكرة العكاز، وكذلك منع استخدام الطرف الصناعي في الركض، وأيضًا أن يكون حارس المرمى بقدمين ولكنه فقد أحد يديه.

في قطاع غزة يوجد 500 لاعب رياضي من ذوي الإعاقة يمارسون كافة الألعاب الرياضية، ولديهم ملعبان مخصصان لذوي الإعاقة فقط، أحدهم يتبع لنادي السلام بمدينة غزة والثاني يتبع لجمعية الهلال الأحمر بمحافظة خان يونس. بحسب رئيس اللجنة البارالمبية في قطاع غزة كامل أبو الحسن.

4.jpg
 

44.jpg
 

444.jpg