فلسطين أون لاين

تقرير نساء الشيخ جراح يُحطن جذورهنّ كـ"عقد" إن انفرط بعضه ذهب كلُّه

...
منى الكرد برفقة والدها (أرشيف)
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

في مطبخها الضيّق تقف رائدة السعو تعد القهوة وتبدأ في توزيعها على المُتضامنين الذين أتوا لمؤازرة أهالي حي الشيخ جراح الغربي في مدينة القدس المحتلة، ونقل معاناتهم إلى العالم الذي يقف صامتًا، أمام التهجير القسري الذي يتعرضون له من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

فتحت السعو بيتها المُهدّد بالإخلاء والذي لا تتعدّى مساحته 45 مترًا، لكل زائري الحي للصلاة، وتناول الطعام والشراب، ويشاركها في خدمتهم زوجها وأبناؤها الخمسة الذي سبق أن تعرضوا لاعتداءات جنود الاحتلال بالضرب تارة والاعتقال تارة أخرى.

تنحدر السعو (51 عامًا) من قرية صور باهر جنوب القدس، ومنذ 32 عامًا تعيش في حي الشيخ جراح برفقة زوجها في البيت الذي عاش فيه والديه.

حينما تخرج السعو وأبناؤها من الحي يجب أن يشهروا بطاقاتهم الشخصية، وفي حال نسوها لا يمكن لهم مغادرة الحي المُحاصر بالحواجز العسكرية، هذا عدا عن عمليات التفتيش في حال الخروج والعودة أيضًا.

تقول السعو لـ"فلسطين": "في البداية استهدف الاحتلال الحي الغربي وبعد ادّعاء تجميد قرار الإخلاء تحول إلى بيت عائلة سالم المجاور لبيتي، فهببت لمشاركتهم في الدفاع عنه ولا سيّما بعدما وضع عضو الكنيست الإسرائيلي​ اليميني، إيتمار بن غفير مكتبه بجوار منزلي".

وفي اليوم العالمي للمرأة تشكو السعو من مضايقات المستوطنين لهم ليلًا ونهارًا والذين لا يكفّون عن القيام بأعمال استفزازية تنتهك خصوصيّتهم كتصويرنا في داخل بيوتنا.

حينما تشكو السعو لقوات الاحتلال أفعال المستوطنين، تردّ عليها "صوري زيُّه"، وتتجلى العنصرية أيضًا حينما يُشغّلون الأغاني عبر مكبرات الصوت، على حين إذا شغّلت السعو الأغاني الوطنية، وقام أبناؤها بالتكبير ينقضّون عليهم بالضرب والاعتقال.

كما يمنع جنود الاحتلال السعو من زيارة بيت جيرانها، إذ ينصبون الحواجز في شوارع حيّ الشيخ جراح وبين البيوت.

ومنذ بداية الأحداث في الشقّ الغربي من الحي، اعتقل أبناؤها الأربعة، أطلق سراح ثلاثة منهم فيما ولا يزال معتز (19 عامًا) مُعتقلًا حتى اليوم دون توجيه أيّ تهمة له، وفي حين تُمنع والدته من الزيارة وجاهيًّا يُسمح لها فقط بلقائه عبر تطبيق التواصل الافتراضي "زووم".

حينما بدأت السعو الحديث عن ابنها مُعتز، خنقتها العبرات وانهمرت دموعها بعدما استحضرت مشهد لقائها بابنها عبر تطبيق "زووم" داخل المحكمة الاحتلال، سأَلتُه: "كيف حالك يمّا؟"، ليجيبني: "أنا منيح يمّا بحبك".

تعدّ السعو أهالي الشيخ جراح مثل العقد، مصيرهم واحد كلٌّ يقوم بدوره في الدفاع عن أرضه، فاليوم بيت سالم وغدًا بيتي ومن ثم بيت جاري، فالاحتلال يريد الاستيلاء على أراضينا التي بذل الشباب الفلسطيني الدماء من أجلها ويُحيي يومها كل عام.

ومع حلول ذكري يوم الأرض التي توافق الثلاثين من مارس/آذار من كلّ عام، تتمسك عائلة السعو أكثر من ذي قبل ببيتها رغم صدور قرار منذ عام 2005 بإخلائه قسريًّا، وحتى اليوم لا تزال قضيّتهم حاضرة في محاكم الاحتلال التي لا تعتقد أنها ستُنصفهم.

وتشير إلى أنّ حالة التضامن المُستمرة مع أهالي الشيخ جراح تمثل بالنسبة إليهم مصدر قوة، لأنها ترهب الاحتلال الذي يتغنّى بديمقراطية زائفة.

تعمر بيت السعو نحو 100 عام أي أكبر من عمر دولة الاحتلال المزعومة، تقول السعو "هون جذورنا، لا نستطيع العيش بلا جذور".

وتردف: "الأمر ليس مجرد الاستيلاء على بيوت الشيخ جراح، بل هو أكبر من ذلك بكثير، لأنهم يريدون السيطرة على المسجد الأقصى، ومنع أهالي القدس من الوصول إلى البلدة القديمة".

ورغم أن بيتها قديم ويحتاج إلى ترميم فإنها تبدي ونساء الحي استعدادًا لدفع أرواحهم في سبيل الحفاظ عليه، "ولن تتخلى عنه حتى ولو كان خيمة".

وتلفت السعو إلى أن الاحتلال يزعم أنه يطبق القانون، ولكنه يطبقه على الفلسطيني بظلمه وأخذ أرضه، ويمنحها للمستوطن الذي لا أرض له.

وتدعو منظمات حقوق الإنسان بالتضامن مع أهالي الشيخ جراح، والدفاع عنهم في المحاكم الدولية، لتجيش الرأي العام العالمي ضد العنصرية، والإرهاب الإسرائيلي.

وتجميد قرار إخلاء بيوت الشيخ جراح، لا يعني الغاء التهجير القسري، بل هو مجرد تأجيل للقرار، لذا يحتاجون إلى استمرار حالة التضامن الشعبي والعالمي معهم، من أجل ردع الاحتلال عن سياساته التهجيرية.