من صفد إلى حيفا مرورًا ببيارات يافا ومآذن النقب والقدس كانت بداية الإرهاب وامتدت لحارات المدينة وأطلت على الخليل ونابلس ورام الله؛ وما زالت في كل يوم تجتاح الذاكرة حقيقة منازل ومدن فلسطين؛ فغزة يتكرر فيها إرهابهم والقدس تعيش تهويدهم والضفة تعاني حرمانهم.. إنه اللجوء من القصف والمجزرة والاعتقال والمنع.
عن دولة الاحتلال أتحدث وعن تاريخ مزيف سيطروا فيه على الرواية وثبتوا حدودهم باتفاقيات سلام مع العربان الذين يتظاهرون بعدم الدراية؛ منهم من استأسد شعارًا ومنهم من استملك وانقلب وأرهب وحاصر أهله وجيرانه.
جاءت ثورات الشعوب فتبعتها مباشرة ثورات الأمن المضادة، فكان القصف والتشريد واللجوء وتحطمت وتدمرت كل أشكال الحياة ليس بعيدًا عن نهر البارد في وسط الرماد وقريبًا منه اليرموك في دمشق؛ ودمشق ذاتها وبلاد الشام مرورًا بليبيا وقبلها العراق والملف ما زال مفتوحًا.
لجوء ببساطة الكلمة هي هرب من خوف وجوع وقتل لا يمكن أن يحتوي تمييزًا أو عنصرية تجعل الخيام تتلون أو الحدود تتبدل؛ فقط الجغرافيا التي تفسر اللجوء فيهرب الناس من حرب إلى سكون.
إلى أن جاءت قضية أوكرانيا؛ هناك اكتشف كل العالم أن هناك فرقًا بين لجوء ولجوء بين طفل يبكي فارًّا من موت في مدينته وبين طفل تمزقت عائلته ونجا ويمنع من دخول الحدود؛ وإن تغيرت الأزمان وزوايا التصوير والمشاهد.
حتى في لحظة اللجوء وتوقيتها وجغرافيتها وبنفس زاوية الكاميرا؛ شاهد العالم كيف لشرطي يسمح بمرور لاجئ مروَّع يبكي ويمنع آخر ويعيده للموت بزعم أنه غير أوكراني.
متضامن مع كل لاجئ يروعه القصف ويجبره على النزوح مع أطفاله تاركًا خيرات بلاده، كيف لا أتضامن وأنا الفلسطيني الذي عشت هذا المرار، وما زالت النكبة تتكرر على يد الاحتلال؟!
الاحتلال ذاك الذي بذريعة الإنسانية يستقبل اللاجئ الأوكراني على أرض هو من شرد أهلها يتظاهر بالإنسانية على حساب طفل وشيخ وامرأة اختلطت دموعهم بدمائهم منذ عام ١٩٤٨ إلى الآن.
ملايين اللاجئين السوريين والفلسطينيين من جراء الحرب هناك ليس ببعيد عن حدود فلسطين؛ زاد نكبتَهم قصفُ هذا الاحتلال الذي يتفاخر باستقبال لاجئين الآن بعد أن أغلق الحدود بالنار والحديد في وجه أصحاب الحق الفارين من قصف الطائرات.
إرهاب اللجوء الذي باتت العنصرية تُغرق حتى خيمته التي نسجت من رياح شباط وكانون وقبلها حزيران وأيار.
تداعت الطائرات والحافلات والورود إلى حدود أوكرانيا في مشهد تمثيلي غربي بامتياز؛ يمسحون دموع اللاجئين ينقلوهم للفنادق والمساكن؛ هذا لم نرَه إذ تجمد اللاجئ السوري على الحدود أو غرق الليبي في البحر هربًا من الموت للموت.
ولن ننسى جميعًا "إيلان" الطفل السوري الذي قذفه موج البحر حينما فر من الموت فأعاده الموت ميتًا أمام ضميرنا الميت على شاطئ اليأس، آنذاك كانت نفس الطائرات والدول والأدوار هي من دمرت سريره الصغير وحلمه الكبير والتي الآن تكرر المشهد في أوكرانيا إن أردتم دليلًا على العنصرية.
فكيف لأوكراني عاش المرار في عام ٢٠٢٢ أن يرضى لنفسه أخذ منزل وأرض تكرر عليها المشهد لعقود مع أصحابها لأن عرقهم ليس يهوديًّا أو أبيض!
إرهاب في اللجوء استغلال للمعاناة والإنسانية لتعزيز العنصرية والاستيطان وتشريد جديد؛ سيعلمون اللاجئ الجديد على أرض العتيق أنك صاحبها فاقتل من تريد فليس هنا فاتورة ولا رقيب ولا حسيب.