هي العصا التي يستخدمها الاحتلال لينفذ الأُمنيات، أرض بلا مقاومة وشعب تمزقه الجغرافيا والمشكلات والهموم ومنفذ لخطط تحتاج ميدانا وأدوات.
صعد عدة يمارس فيها الاحتلال حربه المباشرة وغير المباشرة على كنز الثبات وعزيمة التحرر والبناء وهي الجبهة الداخلية؛ فكان لبرنامجه الاستراتيجي الكثير من التغول والإجرام بحق الشعب الفلسطيني.
على الصعيد الاجتماعي بث الاحتلال كل أشكال الفتنة في الشارع الفلسطيني بين عشائرية ومناطقية وأسرية واقتصادية وغيرها لإثارة البلبلة وفسخ النسيج الاجتماعي الذي يغذي الجبهة الداخلية؛ فما إن يهدأ خلاف حتى ينشب آخر؛ وكذا الحال من ثأر وإحراق وقتل، وكانت بصمة الاحتلال وأدواته حاضرة هنا من خلال توفير السلاح في يد الزعران واعتقال الخطباء ورجال الإصلاح وتوجيه الإعلام بعيدا عن التكاتف والمقاومة بل والعمل على تكريس سياسة "فرّق تسد" على كل الصعد ورفع الأسعار وإبطاء دور القضاء والشرطة.. في كل هذه الجوانب أرادوا أن يقع المجتمع في مشكلة قلة الثقة وزيادة الخوف من الآخر حتى بات مشهد القتل يتكرر.
على الصعيد الأمني هناك خطة التمييع السياسي وتهميش الفاعلين وشطب الانتخابات من قاموس الشعب بالتزامن مع القبضة الأمنية من اعتقالات وتضييق وترهيب وتنكيل يومي سواء بالاقتحامات أو الحواجز أو من خلال المستوطنين وممارساتهم المتصاعدة بحق الفلسطينيين.
يسعى الاحتلال بكل أدواته لأن يجعل من الضفة الغربية التي وصفها يوما رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" أنها خاصرة الأمن القومي؛ أن تبقى تحت سيطرته وسيادته وبرنامجه الجغرافي والسياسي والأمني.
فالاحتلال أدرك جيدا أن باستمرارية نهوض الشعب ووحدته وتطور مقاومته سيكون برنامجه في مهب الريح، ولعل كلمة السر هنا هي المقاومة في غزة التي أفسدت العديد من فقرات برنامجه وما زالت، فأبرز وجوه الفشل لدى الاحتلال أنه لم يعد يحفظ هيبة الأمن والجيش الذي لا يُقهر؛ فسيف القدس وما قبلها وما تلاها جعل معنويات الشارع الفلسطيني ترتفع كثيرا، بل وزادت من الأعمال المقاومة وتحولت ساحة الضفة إلى ساخنة بعد أن تم تطويع كل الأدوات والجهات لخدمة البرنامج الترويضي.
الضفة الممزقة كما أرادها لم تجرِ سفنه بما يلبي رغبته؛ فكانت آخر المحطات سيف القدس عززت وحدة جغرافيا وأزالت عوائق زمنية وتاريخية بل وجسدت وعززت مقاومة وانتصارا، ما زال رغم صفعة اللد ورام الله وأم الفحم وغزة ورفح له يحاول؛ فيعود لمربع النسيج الاجتماعي مصرا على تفكيكه لعلمه جيدا بأنه عمود الجبهة الداخلية.
ثم يتداعى الأحرار كما الشيخ رائد صلاح يجوب الداخل والقدس والضفة ليضمد الجراح ويرفع المعنويات ويجهز النفوس للأعظم والأرقى.
يسعى الاحتلال وأذنابه لإشعال نار الفتنة والقهر ويصر الشعب ومقاومته وأحراره على أنها ستحرق صاحبها وأن الجراح التي أحدثتها تلك البرامج الأمنية رغم حجمها إلا أن مقاوما ومرابطا حرا سيضمدها.
في الضفة حيث القضاء هش والفوضى الأمنية والتعمد للفتنة ويد الاحتلال وأذنابه طويلة؛ إلا أن ارادة الشعب والإصرار وعزيمة التعالي على الجراح يكسر هذه المعادلة؛ وما عاد أي تجمع أو مسيرة أو فرح أو بيت عزاء إلا ويهتف الناس فيها للمقاومة والتحرير وينبذون زعران السلاح والفلتان رغم بطشهم اليومي.