أظهرت نتائج استطلاع رأي نخبوي أجراه معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية خلال المدة (01-25 يناير الماضي) تأييدًا واسعًا لحركة حماس وأدائها السياسي والمقاوِم خلال عام 2021م باعتبارها الأجدر بقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وأنها تمتلك رؤية إستراتيجية لتحرير فلسطين، وساهمت عمليًّا في تعزيز الثوابت الوطنية، ونجحت في تقديم نفسها للجمهور الفلسطيني حركة تحرر وطني لديها من القدرة والتأثير ما يعينها على تحشيد الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده، للمشاركة في معركة تحرير الأرض الفلسطينية من دنس الاحتلال.
واستهدف الاستطلاع الذي تشرّفت بالمشاركة في تنفيذه، ونُشرت نتائجه قبل أيام؛ نخبةً مختارةً من الشخصيات الوطنية والمجتمعية المؤثرة في المجتمع الفلسطيني، تقطن نسبة 50% منها في محافظات غزة، و50% في محافظات الضفة ومخيمات اللجوء والشتات خارج فلسطين المحتلة، وروعي اختلاف ألوان الطيف السياسي لعينة الاستطلاع، بنسب تمثيل 20% من مؤيدي حركة حماس، و20% من مؤيدي حركة فتح بتياراتها المختلفة، و20% من مؤيدي اليسار الفلسطيني، و7% من مؤيدي حركة الجهاد الإسلامي، ونسبة 33% من المستقلين غير المنتمين لأيٍّ من القوى والفصائل الفلسطينية.
قراءة موضوعية في نتائج الاستطلاع تشير إلى فشل دعاية الاحتلال والمتحالفين معه في تشويه حركة حماس أمام المجتمع الفلسطيني، حيث أقرّ 80% من النخب الفلسطينية المستطلعة آراؤهم أن حركة حماس نجحت في تقديم نفسها حركة تحرر وطني، ورأى 71% أنها نجحت في تقديم نفسها قائدًا لمشروع التحرر الوطني، في حين رأى 67% أن الظروف اليوم باتت تتوافر لحركة حماس كي تتبوأ قيادة مشروع التحرر الوطني، هذا إضافة إلى أن 80% من النخب الفلسطينية تعتقد أن حماس باتت لها القدرة والتأثير على تعبئة الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، وأنها نجحت في التأثير إيجابًا في أهلنا بالداخل الفلسطيني المحتل، وكذلك في اللاجئين في الشتات الفلسطيني، وهي نتائج توضح الفشل الذريع لسياسة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي يفرضه كيان الاحتلال منذ خمس عشرة سنة بمشاركة فاعلة من قوى إقليمية وأطراف فلسطينية في دفع الشارع الفلسطيني إلى الانفضاض عن تأييد حركة حماس ودعم المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته تشكل هذه النتائج ضغوطات على حركة حماس لبذل المزيد من الجهود لكسر هيمنة فريق أوسلو واحتكاره القرار الوطني، وانتزاع حق الشعب الفلسطيني في اختيار قيادة وطنية تعبر عن رأي الشارع الفلسطيني وتسعى لتحقيق طموحاته بالعودة والحرية والاستقلال.
وعلى صعيد العلاقة مع الاحتلال أشارت النتائج إلى تحقيق حماس نجاحات كبيرة في مواجهة الاحتلال، إذ أعرب 81% من النخب المستطلعة آراؤهم أن حماس حققت توازن ردع مع جيش الاحتلال، في حين رأى 89% أنها حققت إنجازًا عسكريًّا بارزًا في معركة سيف القدس الأخيرة، ورأى 76% أنها تمارس المقاومة الشاملة بذكاء، في حين رأى 75% أن حماس تشارك مشاركة فاعلة في مقاومة الاحتلال بالضفة والقدس المحتلتين، أما على صعيد نظرة النخب الفلسطينية للمقاومة في غزة فأكد 87% من النخب أن وجود حماس على رأس الحكم في غزة ساهم في تطوير إمكانات المقاومة المسلحة، ورأى 83% أن حماس وفرت مساحة واسعة للعمل المقاوِم للفصائل الفلسطينية، وعدّ 86% تشكيل غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة إنجازًا وطنيًّا، في دلالة على دعم الشارع الفلسطيني لتشكيل قيادة موحدة للمقاومة الفلسطينية.
أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي فقد أظهر الاستطلاع فشل حملات التشويه المضللة التي تشنها السلطة الفلسطينية منذ سنوات بهدف إقناع الشارع الفلسطيني بأن حماس تستأثر بحكم غزة، وأظهرت النتائج تأييدًا واسعًا لخطوات حماس تجاه تعزيز علاقتها مع القوى الفلسطينية، إذ أشار 81% من النخب إلى أن حماس نجحت في تعزيز علاقاتها مع تلك القوى، ورأى 82% أنها تعمل بجدية لتعزيز الوحدة الوطنية على برنامج المقاومة، ورأى 80% أن حماس منفتحة في علاقاتها السياسية مع الكل الوطني، ورأى 75% أن خطابها يمتاز بالوعي والعقلانية، وأظهرت النتائج رفض غالبية النخب الفلسطينية تحميل حركة حماس مسؤولية استمرار الانقسام الفلسطيني، إذ رأى 38% من المستطلعة آراؤهم أنها تتحمل المسؤولية في فشل المصالحة الوطنية، وهي نسبة طبيعية في حالة التأطير السياسي التي يعيشها المجتمع الفلسطيني.
وبشأن علاقات حماس الخارجية رأت النخب الفلسطينية أن حماس حققت تقدمًا إيجابيًّا في هذا الملف، إذ أشار 78% من النخب المستطلعة آراؤهم إلى أن حركة حماس تُحسِن التعامل مع الضغوطات الخارجية بما يضمن الحفاظ على برنامجها السياسي، في حين رأى 73% أنها تمتاز بالمرونة في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وأعرب 76% عن رضاهم عن علاقة حركة حماس بالجمهورية الإيرانية، و66% عن رضاهم عن علاقة حركة حماس بجمهورية مصر العربية، و75% عن رضاهم عن علاقة حماس بحزب الله اللبناني، في حين رأى 70% أن حماس نجحت في تشكيل حاضنة داعمة للقضية الفلسطينية من الأحزاب والمؤسسات المدنية العربية والإسلامية، في دلالة على أن حماس نجحت في بناء علاقات إقليمية ودولية متوازنة، وأحدثت اختراقًا على صعيد المجتمعات العربية، حسب نتائج الاستطلاع.
وفيما يتعلق برأي النخب الفلسطينية في إدارة حركة حماس الشأن العام والمشهد الاجتماعي في قطاع غزة؛ أظهرت نتائج الاستطلاع نجاح حركة حماس في الموازنة بين إدارة الشأن العام والحفاظ على مشروعها المقاوِم، وهذا ما أكدته 69% من آراء النخب الفلسطينية، في حين رأى 71% من المستطلعة آراؤهم أن حركة حماس بذلت جهودًا ملموسة لمعالجة مشكلات غزة الناتجة عن الحصار، ورأى 76% أنها عززت القيم الدينية والاجتماعية والوطنية لدى المواطن الفلسطيني، في حين رأى 73% أنها تسعى لتحقيق مصالح المجتمع الفلسطيني بكامل قدراتها.
وعلى إيجابية نتائج الاستطلاع على الصعيدين الوطني والسياسي تتطلب العديد من النتائج مزيدًا من المعالجات، فحسب نتائج الاستطلاع أشار 47% من النخب إلى أن حركة حماس تمارس القمع على المعارضين السياسيين في قطاع غزة، ورأى 56% أن حركة حماس تجيِّر موارد غزة لمنفعتها الحزبية، وهي نقاط بحاجة ماسّة إلى التوقف مليًّا، والعمل على وضع الخطط والبرامج العملية والإعلامية لمعالجة الإشكالات والوقائع التي أدت إلى تلك القناعة عند النخب الفلسطينية، والقيام بخطوات إضافية للانفتاح على الجمهور الفلسطيني.
أيضًا أشار الاستطلاع إلى نقطة مهمة على صعيد ترجمة الإنجازات العسكرية التي حققتها حركة حماس إلى مكتسبات سياسية، إذ رأى 61% أن حماس نجحت في تحقيق ذلك الهدف، ولكنها نسبة لا تتواءم مع حجم الإنجاز العسكري الذي حققته حماس في معركة سيف القدس، الذي أكدته نسبة 89% من المستطلعة آراؤهم في الاستطلاع ذاته، ما يؤكد ضرورة العمل على استحداث أدوات جديدة تساعد حركة حماس على استثمار إنجازاتها العسكرية في تحقيق مكتسبات سياسية تساعدها على كسر الحصار، وتعزيز علاقاتها السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ختامًا إن نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد فلسطين أخيرًا التي تكشف تصاعد التأييد الشعبي لحركة حماس تأتي متوافقة مع نتائج استطلاعات رأي عديدة أجرتها مراكز بحثية متخصصة، ومنها استطلاع رأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله منتصف شهر يونيو الماضي، وأظهر أن 53% من الفلسطينيين يعتقدون أن حماس هي الأجدر بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، وكذلك استطلاع رأي نشره مركز أطلس لدراسات الرأي العام في غزة في ديسمبر الماضي، وأظهر أن 28% يدعمون إسماعيل هنية لرئاسة السلطة الفلسطينية مقابل 11% يدعمون محمود عباس، وأظهر الاستطلاع ذاته أن حماس ستحصل على 36% من مقاعد المجلس التشريعي في حال أجريت الانتخابات، مقابل 18% فقط ستحصل عليها حركة فتح.