القتال الدائر في أوكرانيا والغزو الواسع الذي تشحنه روسيا لفرض سيطرتها على أوكرانيا، كشف بما لا يدع مجالا للشك عن انعدام القيم الإنسانية لدى الغرب ومؤسسات ونظم الحكم فيه، وأوضحت أنه من يحكم هذه الدول هي معايير ترتبط بمصالحها دون أي اعتبار إنساني أو أخلاقي.
يظهر ذلك من خلال الدعم الواسع في الأسلحة والمعدات والأشخاص والمرتزقة للقتال في أوكرانيا ضد الجيش الروسي حفاظًا على منع انتقال الحرب إلى أوروبا، وكذلك ظهور المواقف المزدوجة والمعايير في التعامل مع الأوكرانيين واللاجئين الآخرين.
حيث يتم توفير كل الإمكانات لصالح اللاجئين الأوكرانيين، وبنفس القدر تجاهل تماما لمعاناة الآخرين وخاصة اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة وهذا يؤكد أن النزعة العنصرية هي المسيطرة ومتغلغلة في تلك المجتمعات، والنظم الحاكمة السياسية والاقتصاد والإعلام.
وفي مقاربة مع مواقف سابقة اتخذتها تلك الدول والأنظمة والاتحادات في ملاحقة ومطاردة مؤيدي القضية الفلسطينية في المحافل السياسية والرياضية والاقتصادية لمجرد أن عبروا عن آرائهم الداعمة للقضية الفلسطينية ببعديها الإنساني والحقوقي، وهذا يفضح عورة تلك المؤسسات والأنظمة، ويثبت أن القيم التي تتبعها تلك الأنظمة هي معايير وقيم مزدوجة يتم تطبيقها والعمل بها عندما يتعلق الأمر بالأبيض وتجاهلها عندما يتعلق بالآخرين.
ما حدث يثبت لنا أن امتلاك القوة هو الذي يفرض المعادلة وأن الاحتلال الإسرائيلي المستفيد من تلك الأزمات يجب أن يدفع الثمن، من خلال تمكين الموقف الفلسطيني على كل المستويات والتمسك به الحقوق الفلسطينية والاعتماد فقط على البعد الوطني مدعوما بالبعد الإنساني والعربي والدولي وأن الحقوق تنتزع، كما حدث في معركة سيف القدس الأخيرة وأن التعويل على البعد الغربي وغيره، لا قيمة، له إن لم يستند إلى عنصر القوة في بناء قوة عسكرية وخطاب إعلامي واضح وقوة اقتصادية قادرة على الصمود.
مشاهدة دمار وسط كييف هي ذاتها المشاهد التي كانت تخرج من غزة في خمسة حروب خلال 14 عامًا، شنها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين دون وازع من ضمير وبقوة نارية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين ولم يحرك المجتمع الدولي والغربي شيئًا بل إنه قدم الحماية وفي مقدمتهم أوروبا للاحتلال الإسرائيلي وقادته من مجرمي الحرب، وصمت الغرب طويلًا على انتهاك المقدسات المسلمين والمسيحيين ولم يفعل شيئًا، بل مقابل ذلك أنه قدم اعترافًا للاحتلال الإسرائيلي في سيادتها على بعض تلك الأماكن ومنح قادة الاحتلال الحصانة من الملاحقة الدولية، التي هي ذاتها التي يطالب اليوم بمحاسبة المسؤولين الروس. وهنا ليس بالضرورة أن نكون إلى جانب ما تقوم به روسيا لكن النظرة مزدوجة هي التي تفضح الغرب في مواقفهم من التعامل مع القضايا الإنسانية وأن الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمنه سنوات طويلة لم يشعر المجتمع الدولي بقيمة ذلك ومن الواضح أنه لن يستفيد من هذا الدرس إلا إذا دفع المزيد من الثمن.