يعتبر قطاع غزة من أشهر المناطق على مستوى العالم في زراعة محصول الفراولة، وتحديداً بلدة بيت لاهيا شمالاً، لكونها تحتضن بين جنباتها تربة خصبة صالحة لنمو منتج "الذهب الأحمر" تمتد على مساحة تصل إلى 3 آلاف دونم.
ويبدأ المزارعون الفلسطينيون في قطاع غزة بقطف ثمار الفراولة مع إطلالة شهر ديسمبر وحتى نهاية شهر مارس من كل عام، إذ تتميز بإنتاجها الوفير ذات الجودة العالية، وهو ما يجعلها تنافس الدول العربية والأوروبية.
ارتفاع الأسعار
ورغم كثرة إنتاج "الذهب الأحمر" في قطاع غزة، وظهور ما يُعرف بزراعة "الفراولة المعلقة" ذات القدرة الإنتاجية العالية، إلا أنها تصل المستهلك الفلسطيني في الأسواق الغزية بأسعار مرتفعة، حيث يصل الكيلو منها إلى حوالي 10 شواقل، فما الأسباب التي تؤدي إلى هذا الارتفاع؟
ويعزو الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة أدهم البسيوني، أسباب ارتفاع الأسعار إلى أن هذا محصول "الفراولة" يتم زراعته من أجل التصدير خارج قطاع غزة.
ويوضح البسيوني لصحيفة "فلسطين"، أن الفراولة ليست محصولاً أساسياً في كل منزل، لذلك يلجأ المزارعون لها من أجل إيجاد آفاق تصديرية خارج القطاع، مشيراً إلى أن الفراولة بغزة تتميز بأنها مبكرة الإنتاج، وذات جودة عالية تنافس الأسواق الأوروبية والعالمية.
ويعود تاريخ بداية زراعة الفراولة في قطاع غزة إلى عام 1999، إذ جرى تجربتها على مساحة دونم واحد فقط في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، وفق البسيوني.
وبحسب قوله، فإنها وأخذت لاحقاً تتمدد وتتسع حتى عام 2005، حيث بلغت أراضي الفراولة حوالي 2800 دونم، لكنها بعد ذلك شهدت انتكاسة أدت لتراجع زراعتها بسبب الاجتياحات الإسرائيلية لتلك الأراضي في تلك الفترة، إضافة إلى الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال، وقد تقلّصت إلى 200 دونم.
ويذكر أن زراعة الفراولة عادت للنهوض من جديد بعد عام 2014، ووصلت حتى العام الماضي إلى 3 آلاف دونم، من بينها 15 دونماً لمزارع "الفراولة المعلقة"، لافتاً إلى أن كل دونم يُنتج 5 طن فراولة سنوياً.
ووفق البسيوني، فإن 99% من زراعة الفراولة تكون بالطريق التقليدية المتعارف عليها، وهي عبار وضع ثمارها في ممرات تحت الأرض، منوهاً إلى عدم وجود إحصائية ثابتة حول أعداد العاملين في قطاع زراعة الفراولة.
ويعود سبب تركّز زراعة الفراولة في شمال القطاع وتحديداً بيت لاهيا، والكلام للبسيوني، لطبيعة التربة والخبرة العالية لدى المزارعين هناك، إضافة للثقافة التراثية.
الفراولة المعلقة
المزارع أكرم أبو خوصة، راح يُفكر خارج الصندوق بعض الشيء حتى توصّل إلى تقنية زراعة "الفراولة المعلقة"، فقد خصص في بداية الأمر دونماً واحداً فقط لهذا المشروع وذلك عام 2015.
خاض أبو خوصة تلك التجربة كما يروي لمراسل صحيفة "فلسطين"، وبدأ بزراعة أشتال الفراولة في أرضه الواقعة بمنطقة بيت لاهيا شمال القطاع، ومرّت الأيام إلى أن أثمرت تلك الأشتال وهي تحمل "ذهباً أحمر" ذا جودة عالية.
ويُعد أبو خوصة من أشهر مزارعي الفراولة في قطاع غزة، ويسعى دائماً لتقديم المبادرات الهادفة إلى إنتاج مُنتج وفير ذي جودة عالية، من خلال التواصل والتعاون مع وزارة الزراعة والجهات المختصة.
ويقول: "بعد نجاح تلك التجربة التي موّلتها مؤسسة "الفاو" ونفذها اتحاد لجان العمل الزراعي، بدأت تتوافد المؤسسات الأخرى لتطبيق ذات التجربة في مناطق أخرى من القطاع".
ويوضح أنه ضاعف مساحة زراعة الفراولة المعلقة، بزيادة دونم آخر على الأصلي، مشيراً إلى أنها تتميز بأنها مكثفة عن الزراعة التقليدية، وتُنتج ثلاثة أضعافها.
وأفاد بأن دونم الزراعة التقليدية يتسع حوالي 8 آلاف شتلة، في حين يتسع دونم "المُعلقة" قرابة 21 ألف شتلة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج مع توفير مساحة الأرض.
وبحسب أبو خوصة، فإن زراعة الفراولة المعلقة، "مُريحة" وتوفر من استهلاك المياه حوالي 80% عن الأراضي التقليدية، إذ يتم تجميع المياه الناتجة واستخدامها في ري محاصيل أخرى.
وبيّن أن الزراعة المعلقة تقلل من استخدام المبيدات، إضافة إلى توفير تربة آمنة خالية من الأمراض، هو ما يُنتج فراولة آمنة صحياً على المواطن.
مُعيقات
ويستعرض أبو خوصة أبرز المُعيقات التي تواجه مزارعي الفراولة في القطاع، وأبرزها صعوبة تصديرها إلى مدن الضفة الغربية المحتلة، إذ تستغرق منذ خروجها وحتى وصولها قرابة ثلاثة أيام.
ويقول: إن "إطالة مُدة إيصال محصول الفراولة من القطاع للضفة، ينعكس سلباً على جودته"، مشيراً إلى أن التصدير إلى أوروبا يستغرق يومًا فقط.
ويوضح أن مزارعي غزة يحاولون التغلب على هذا الأمر عبر قطف الثمرة بـ "نصف لون" كي تتحمل مُعيقات الطريق، لافتاً إلى أن محصول الفراولة المعلقة متوفر على مدار العام.
ويبيّن أنه يعتمد على نظام الري اليدوي، نظراً لارتفاع تكلفة النظام المحوسب الخاص بالري والتي تصل إلى 17 ألف دولار.