نجحت ألف شخصية فلسطينية قدمت من حوالي خمسين بلدا حول العالم؛ بالاجتماع في إسطنبول لانتخاب قيادة جديدة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وتقييم عمل السنوات الخمس الماضية من عمر المؤتمر الذي تأسس عام 2017، وغدا الكيان الوحيد الذي يجمع فلسطينيي الشتات، مطالبا بحقوقهم ورافضا تهميشهم وإقصاءهم.
المؤتمر يمثل إعلانا لحضور الشتات الفلسطيني في مشروع المقاومة حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين، وهو هدف لا يمكن التنازل عنه، ولا السماح لأي جهة بالتفريط فيه.
من هذا المنطلق كان اجتماع الفلسطينيين من السلفادور وأمريكا وكندا إلى نيوزلندا، مرورا بالعواصم العربية والإسلامية والأوروبية، بالغ الأهمية في خدمة هذا الهدف.
وقد كانت إسطنبول وما تزال العاصمة الوحيدة في العالم التي تفتح ذراعيها لمثل هذا النوع من المؤتمرات، رغم الضغوط الشديدة التي مارستها قيادة محمود عباس لمنع عقده، لا سيما أن الأخير لا يريد تمثيلا حقيقيا للفلسطينيين، وتحديدا من الرافضين لنهجه الانبطاحي، والذين يمثلون غالبية الشعب الفلسطيني في الشتات، خلافا للداخل الذي يعاني قدرا من الانقسام؛ لا سيما أن "فتح" أصبحت حزبا حاكما أكثر منها حركة تحرير.
رأيت في المؤتمر كل ألوان الطيف الفلسطيني باستثناء أولئك الذين يدورون في فلك محمود عباس، وكان حضور الشباب من الجنسين لافتًا، على الرغم من قناعتي بضرورة أن يكون حضور هذه الفئة أكبر وأكثر فاعلية، وهي التي نربط مستقبل عملنا الفلسطيني بها.
لا ينبغي إنكار أن المؤتمر قد عكس الافتقار الفلسطيني للعمل المؤسسي والديمقراطي، فبعض المشاركين كان يمارس حقه بالانتخاب لأول مرة في حياته، وآخر لم تتح له فرصة توجيه انتقادات بشكل حر لأي جهة سوى من خلال المؤتمر، وعليه كانت هناك حالات من الانفعال والتشنج التي يمكن تفهمها.
وقد آلمني وجود من ينتقص من المؤتمر، عبر المبالغة بذكر مصاريفه، واتهام القائمين عليه والمشاركين فيه بإضاعة الوقت والمال، دون تكليف نفسه عناء السؤال والاستفسار، لا سيما أن أغلب المشاركين سددوا رسوم اشتراكهم في المؤتمر، وبعض من شارك من مخيمات الشتات الفلسطيني من ذوي الدخل المحدود؛ ساهم رجال أعمال فلسطينيون بتغطية نفقاتهم، فضلا عن أن معظم المشاركين والمشاركات قدموا إلى المؤتمر بتذاكر سفر على حسابهم الشخصي.
ثم إن الإنفاق لأجل مؤتمر استثنائي كهذا يعقد كل أربع سنوات، لا يقل أهمية عن التبرع لمؤسسات خيرية أو ما شابه؛ لأنه مؤتمر يجمع الشتات الفلسطيني وينسّق الجهود في ما بين أبنائه ورموزه، ويمكن من خلاله تشبيك علاقات المؤسسات المختلفة لإنجاز مشاريع عدة في مختلف أوجه العمل الفلسطيني ومنها العمل الخيري والإنساني عبر لقاءات التعارف بين الحضور، حتى دون الدخول في أجندة المؤتمر وتفاصيل اجتماعاته.
أخذ البعض على المؤتمر -وأنا منهم- اختزال وقت اجتماع الهيئة العامة لصالح بروتوكولات الافتتاح وبعض الندوات والحفلات التراثية، وهذا كان على حساب تمكّن نحو 300 شخص في الهيئة العامة من التعبير عن رأيهم، وعليه لا يمكن أن تمنح هيئة عامة كبيرة العدد وقتا لا يتناسب مع عدد أعضائها.
هناك صعوبات إدارية ولوجستية رافقت أعمال المؤتمر تحتاج الوقوف عليها ليكون عملنا الفلسطيني أكثر تنظيما وتنسيقا، في ظل حاجة حقيقية لتسهيل آليات الانضمام للمؤتمر وتشجيع الفلسطينيين حول العالم للانخراط به، تحقيقا لفكرة المليون عضو التي أطلقها المؤتمر بداية تأسيسه.
وعودة لتوضيح فكرة يلتبس على البعض فهمها بشأن الأعضاء المعينين في الأمانة العامة.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تسميتهم تمثل حقا طبيعيا للأمين العام المنتخب ليكون معه فريق منسجم يعينه في تحقيق رؤيته وتحمّل مسؤولية قيادة المؤتمر في السنوات القادمة، وهؤلاء لا يتم اختيارهم اعتباطا فهم جزء من الهيئة العامة المنتخبة للمؤتمر. وعليه، وفقا للتعديلات اللائحية الأخيرة يختار الأمين العام المنتخب وهو د. أحمد محيسن؛ 23 عضوا من الهيئة العامة المنتخبة ليكونوا معه ضمن فريق قيادة المؤتمر، ثم تقوم الهيئة العامة بانتخاب 22 عضوا ليصبح العدد 45 شخصا، وهو عدد كبير نسبيا قد يدفع لاحقا لانتخاب جسم مصغر من هذا المجموع لتسيير الأعمال اليومية للمؤتمر.
إن هذا الجهد الجماعي لأجل فلسطين مقدّر ومطلوب، في ظل غياب التمثيل الفلسطيني الديمقراطي والشفاف بسبب تعطيل السلطة للانتخابات بجميع أشكالها المؤثرة، وتهميشها لمنظمة التحرير الفلسطينية بجعلها مؤسسة تابعة للسلطة وليس العكس، وطبعا بحجة رفع لافتة دولة فلسطين وتبعية المنظمة لرئيس تلك الدولة.
إن إيمان قامات وطنية فلسطينية مثل المناضل الكبير منير شفيق، والدبلوماسي المخضرم ربحي حلوم، والاقتصادي فؤاد بسيسو، ورئيس الهيئة العامة المنتخب سمعان خوري، وغيرهم كثير بهذا المشروع لخير دليل على أهميته وضرورته في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة حضور الشتات الفلسطيني في صلب المشهد، بعد محاولات التهميش المتواصلة من قبل الرئيس عباس ومن معه.
إن غياب أي شخصية فلسطينية صاحبة مبدأ عن هذا المؤتمر وهي قادرة على الحضور والمشاركة؛ حجّة عليها لا لها. وحتى لو لم تتواصل قيادة المؤتمر معها، فهي معنية بالسؤال والتفاعل حرصا على إنتاج جهد جماعي يخدم قضية فلسطين أمام عالم يدير كل شيء بالتكتلات والتحالفات والتنسيق على مستوى المؤسسات والأفراد، وكما قيل: "يد واحدة لا تصفق".