يجلس نور الدين فلفل خمسة أيام أسبوعيًا على مقاعد الصف التاسع الإعدادي، في حين يتحول يوم السبت إلى طالب جامعي في كلية تكنولوجيا المعلومات بجامعة غزة، يدرس مساق برمجة الألعاب الذي وجد شغفه فيه.
وتعد هذه التجربة الأولى التي يتم فيها دمج طالب مدرسي مع طلبة الجامعات على مستوى جامعات فلسطين.
في اختبار الذكاء "IQ Test" حصد نور الدين 137 درجة من أصل 140 درجة، وهذا ينم عن تمتعه بذكاء فائق، كان ظاهرا عليه منذ سنوات عمره الأولى، حينما تعلم التصميم والبرمجة في عمر السبع سنوات بمجرد جلوسه بجوار أخيه وهو يعمل على برامج التصميم.
سرعة تعلم نور الدين (14 عاما) للتصميم والبرمجة جعلته محط اهتمام عائلته، وخاصة أخاه، الذي علمه التصميم وتقنياته كافة. وفي المدرسة فاجأ مدرسيه بإلمامه بمعلومات عن مجال البرمجة الذي لم يدرسه من قبل، فتفوق على نفسه محترفًا تصميم تطبيقات الهواتف النقالة.
شغف نور الدين في البرمجة دفعه نحو البحث عن برمجة الألعاب حيث تعلمها بنفسه من خلال البحث عبر الشبكة العنكبوتية، حتى انتقل لمركز رسل والتحق بنادي الوسائط المتعددة.
يقول نور الدين من مدينة غزة لـ"فلسطين": "التحقت بنادي الوسائط أبحث عن تنمية شغفي ببرمجة الألعاب، ولكن لم يكن الأمر متاحا لديهم، فاقتصرت على برمجة تطبيقات الهواتف، ولكن إصراري على التعلم دفع مسؤولة النادي لمساعدتي على تحقيق حلمي بدراسة برمجة الألعاب في مساق جامعي".
يضيف: "كان الأمر مفاجئا لي لم تخبرني به من قبل، لم أصدق ولم أستوعب الأمر في البداية، ولكني تحمست كثيرا لخوض تجربة جديدة، آمنت بأنها ستضيف لي الكثير".
رحلة نور الدين كانت قد بدأت بانضمامه لمركز "رُسُل" الذي يتبع لمعهد الأمل للأيتام ضمن مشروع تمكين الأطفال لمستقبل أفضل، من خلال اكتشاف مواهبهم وتطوير قدراتهم لمهن مستقبلية، ومع بداية انضمامه للمركز بدأ التعلم على برامج أكثر تخصصاً في التصميم، إذ قدم العديد من التصاميم داخل المركز.
ورغم صغر سنه، اقتحم نور الدين عالم البرمجة، وأصبح أول طفل في غزة يحصل على دورات متخصصة في البرمجة ليتمكن بنفسه من تصميم الألعاب ثنائية الأبعاد D2، كذلك تمكن من تصميم 7 ألعاب، بينما يقوم بإعداد أخرى تضم 50 مرحلة.
كل يوم سبت كان يمارس نور الدين حياته الجامعية، حيث يحضر المحاضرات مع زملائه في كلية تكنولوجيا المعلومات في سنتهم الرابعة، ويتفاعل معهم ومع المحاضر كأنه في العمر ذاته.
أمضى نور الدين فصلًا دراسيًا كاملًا امتد لأربعة أشهر، أصر أن يخضع كما بقية زملائه لاختبار نصف الفصل الدراسي الأول، وقدم أيضا مشروعا ختاميا للمساق.
وعن توفيقه بين دراسته المدرسية والمحاضرات التخصصية في الجامعة، يجيب: "لأني في مدرسة خاصة كان يوم السبت يوم إجازة لي، أبدأ يومي الجامعي في الساعة الثامنة صباحا وينتهي في الحادية عشرة، كنت أراجع فيه محاضراتي أولا بأول، وبقية أيام الأسبوع أتفرغ لدراسة المنهاج المدرسي".
ويكشف أنه في الاختبار الجامعي النصفي حصل على أعلى علامة على مستوى طلاب القسم، ويعمل على إنهاء اللعبة التعليمية التنافسية الموجهة للأطفال دون الخمس سنوات كمشروع تخرج من المساق.
ويؤكد نور الدين اندماجه مع الأشخاص الأكبر منه سنًّا، وأصبح بينه وبين زملائه في الجامعة حوارات مشتركة، وتبادل للمعلومات والأفكار، بخلاف زملائه في الصف المدرسي الذين ينعتونه بـ"الفيلسوف" إذا أخبرهم بمعلومات يعرفها ويجهلونها.
وعن موقف جمعه مع زملائه خلال دراسته الجامعية يذكر أنه قدم مراجعة نهائية لهم قبل الدخول في الاختبار النصفي، الأمر الذي أثار إعجابهم أكثر بموهبته.
وأطلق نور الدين شركته الخاصة بالإنتاج التكنولوجي، ويطمح أن تحقق انتشارًا واسعًا محليًّا ودوليًّا.
ويتمنى أن يكون أصغر طالب جامعي في فلسطين، داعيًا وزارة التربية والتعليم العالي لعمل اختبارات ذكاء للطلبة فائقي الذكاء، ليتجاوزوا المراحل التعليمية بسرعة أسوة بالبرامج التعليمية التي تنظم لهم في الدول الصناعية.
تفكير خارج الصندوق
من جهتها تبين مسؤولة نادي الوسائط المتعددة دانة اللبابيدي في مركز رسل أن نور الدين منتسب للمركز منذ ثلاث سنوات ضمن تخصص البرمجة، ولكنه كان الوحيد الذي يميل لبرمجة الألعاب، لذا كان يتم التعامل معه فرديا؛ لأنه أبدى مهارة وذكاء كبيرين في هذا المجال.
وتوضح اللبابيدي لـ"فلسطين" أن المركز بحث تنمية ميول نور الدين، فكانت الجهة الأنسب جامعة غزة وهي ضمن الجامعات التي تجمعها مذكرة تفاهم مع المركز، لذا تم طرح فكرة الدمج مع رئيس الجامعة الذي رحب على الفور، باعتبارها فكرة سبّاقة.
وتلفت إلى أن ما يميز الطالب نور أنه بارع للغاية في تصميم الألعاب ثلاثية الأبعاد، فهو دائما يفكر خارج الصندوق، ويبحث عن معلومات وأساليب جديدة في مجال البرمجة، وأثبت جدارته في الجامعة.
وتأمل اللبابيدي أن تكون خطوة دمج نور الدين في الجامعة، بادرة للجامعات الفلسطينية الأخرى لاحتضان طلبة المدارس الذين لديهم ميول في علم معين، والعباقرة، وفائقي الذكاء، وأصحاب المواهب الفذة.