فلسطين أون لاين

الإسراء والمعراج.. في ذكرى المعجزة المحمدية

...
غزة/ خاص فلسطين:

خرج عليه الصلاة والسلام دامي القدمين من الطائف ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكن الكلام الذي جرح قلبه؛ ولهذا ناجى ربه هذه المناجاة، وبعث الله إليه ملك الجبال يقول: إن شئت أطبق عليهم الجبلين، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) أبى ذلك، وقال: إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون..

ثم هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى، تعويضًا عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء.

فبعد سنوات قيل إنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهرًا (لا يعلم بالضبط الوقت الذي أسري فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما كان قبل الهجرة يقينًا، كانت الهجرة وكان الإسراء والمعراج إعدادًا لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه النبي محمد العرب جميعًا، سيرميه العرب عن قوس واحدة، ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية، الجبهة الوثنية في جزيرة العرب، والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة التي لا ترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية، والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.

كان لا بد أن يتهيأ نبينا لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا" حتى يرى آيات الله في هذا الكون وفي السماء أيضًا كما قال الله تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى ما زاغ البصر وما طغى".

أراد الله أن يريه من هذه الآيات الكبرى حتى يقوى قلبه ويصلب عوده، وتشتد إرادته في مواجهة الكفر بأنواعه وضلالاته.

قيادة جديدة

لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لماذا لم يعرج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) مباشرة من المسجد الحرام إلى السماوات العلا؟ هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية، المرور ببيت المقدس، في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، المرور بالمسجد الأقصى كان مقصودًا، والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله في بيت المقدس، وأنه أمهم، هذا له معناه ودلالته، أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه، هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس، رحمة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان.

مصير واحد

ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين، المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء، والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان. أراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله "الذي باركنا حوله"، وصف الله هذا المسجد بالبركة، وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله؛ لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة، في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها، حتى لا يفرطوا في أحد المسجدين. 

فمن فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام، المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج، والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن، حينما فرضت الصلاة، كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، كان بيت المقدس قبلتهم، ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهرًا في المدينة، صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس، كان قبلة المسلمين الأولى، فهو القبلة الأولى، وهو أرض الإسراء والمعراج، وهو المسجد الذي لا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي.

وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة. هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم، وفي عقيدتهم وفي حياتهم، ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.

كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم. وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل، هذه القضية الخطيرة، هذه القضية المقدسة..