أعلن الرئيس الروسي بوتين فجر الخميس، الرابع والعشرين من فبراير شن عملية عسكرية على دولة أوكرانيا، جاء ذلك بعد تهديدات وسجالات طويلة على مدار الأشهر الماضية، ولعل الهدف من وراء هذه العملية العسكرية الروسية هو حماية أمنها القومي، ومنع أوكرانيا من الارتماء في أحضان الغرب، وتحويلها إلى قاعدة عسكرية للغرب، تُهدّد مصالح روسيا، وأمنها القومي.
وقد أعلن ذلك بوتين صراحة وعلى شاشة التلفاز: "بأن روسيا لا تستطيع أن تشعر بالأمان والتطور بسبب التهديد المستمر من أوكرانيا الحديثة".
ولعل الموقف السلبي الذي أعلنته الولايات المتحدة وأوروبا من هذه الحرب شكّل خيبة أمل كبيرة لأوكرانيا ورئيسها، فقد تركه الغرب يقاتل وحده، ويواجه الترسانة العسكرية الروسية الفتّاكة، وتركوا الدبّ الروسي يستفرد بدولته، رغم أنه يواجه هذا المصير؛ بسبب تقرّبه من الغرب، ومحاولته الانضمام لحلف النيتو.
وأقصى ما صرّح به الرئيس الأمريكي هو فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على روسيا، وأعلنت بعض الدول الأوروبية على استحياء تقديم بعض المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وأمام هذا الواقع العالمي المتشابك، لا بد للعرب أن يستخلصوا بعض الدروس والعبر من هذه الحرب، ومن أهمها:
- عدم المراهنة على الغرب وأمريكا، وألا نعوّل كثيرا على الموقف الأمريكي والأوروبي في تحالفات الدول العربية، ومصالحها، فقد رأينا موقفهم الباهت حيال الحرب الروسية على أوكرانيا، فقد تخلّوا عن دولة كانت تحتمي بهم، وكانت على استعداد أن تجعل أرضها ومجالها الجوي مشاعا لحلف النيتو؛ لتعزيز قوته أمام الكتلة الشرقية "روسيا"، فهذا الدرس يجب أن يتعلمه العرب الآن، وقبل فوات الأوان، وكما يُقال: "المتغطي بالغرب عريان"، فالغرب لا يبحث إلا عن مصالحه فقط، ولا يتدخل عسكريا إلا إذا تهدّدت مصالحه، وغير ذلك فلا.
- من الأهداف غير المعلنة للحرب الروسية على أوكرانيا هو إعادة المجد التاريخي لروسيا، وهيمنتها، وسيطرتها على الإقليم المحيط بها، وإعادة تأثيرها العالمي باعتبارها أحد قطبي العالم، وهذا أيضا درس جديد ومهم ينبغي للعرب أن يدركوه، والأولى بهم إحياء مجدهم، فقد كانت لنا السيادة شرقا وغربا، وكانت خلافة المسلمين تحكم شطر الكرة الأرضية، فنحن بحاجة ماسة، اليوم قبل غدٍ إلى إعادة أمجادنا، وتأثيرنا على الساحة، وأن نخرج من قاع البئر، وهذا يتطلب منا وحدةً عربية وإسلامية، تجعل لنا موطئ قدم في الساحة الدولية.
- ترفض روسيا تحويل أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية للغرب على حدودها، من خلال انضمامها لحلف النيتو؛ لأن ذلك يشكّل تهديدا للأمن القومي الروسي، وقاعدتها النووية، والأولى بالعرب أن يحافظوا على أمنهم القومي، ومجالهم الحيوي، ولعل أبرز مُهدّد للأمن القومي العربي هو وجود السرطان الصهيوني المتغلغل بين الدول العربية، فالأجدر بالعرب أن يرفضوا وجود هذا الكيان بينهم، أو حتى على الأقل عزله، وعدم إقامة علاقات تطبيعية معه.
- بعد أن تُركت أوكرانيا وحدها تواجه القوة العالمية "روسيا"، وتخلّى الغرب عنها بعد وعوداتهم الكاذبة، فالدرس الأبرز الذي يجب أن يتعلمه العرب هو أن يعتمدوا على أنفسهم في بناء قوتهم، وتحالفهم مع بعضهم، وعدم الرهان على الموقف الأمريكي والأوروبي المخادع، فالغرب لا يعرف إلا مصالحه، فمن السهل عليه أن يتخلى عن العرب، حتى مع وجود بعض الوعودات والاتفاقيات، ويجب أن يدرك العرب أن الهيمنة الأمريكية بدأت في التراجع في ظل صعود القوة الروسية.
وخلاصة ذلك: العرب يمتلكون موارد طبيعية كبيرة، وممرات مائية ومضائق وقنوات للتجارة العالمية، واحتياطي بترول هائل، فلا بد من استثمار ذلك في تعزيز قوتهم، وحماية أمنهم القومي، ولا يتأتّى ذلك إلا بالوحدة العربية، والتعاون فيما بينهم، وتبنّي قضايا أمنهم، والانتماء لشعوبهم؛ لأن الرهان على الحماية الأمريكية مجرد وهم.